السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ۝ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ۝ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ۝ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ۝ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [سورة المؤمنون:18-22].

يذكر تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد، ولا تحصى في إنزاله القطر من السماء بقدر أي بحسب الحاجة لا كثيراً فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع، والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي، والشرب، والانتفاع به، حتى إن الأراضي التي تحتاج ماءاً كثيراً لزرعها، ولا تحتمل دِمْنتها إنزال المطر عليها، يسوق إليها الماء من بلاد أخرى كما في أرض مصر، ويقال لها الأرض الجرز، يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها، فيأتي الماء يحمل طيناً أحمر، فيسقي أرض مصر، ويَقرّ الطين على أرضهم؛ ليزدرعوا فيه، لأن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال، فسبحان اللطيف الخبير، الرحيم الغفور".

هذا من اللطائف في المعاني، وفي خلق الله ، وبديع صنعه؛ الأرض التي تكون من قبيل السباخ، أو التي لا تمسك الماء أو نحو ذلك، فيهيئ الله لها من الأسباب ما يحصل به صلاحها، فأرض مصر يقولون: لا تنتفع بنزول المطر عليها، فيأتيها الماء من أماكن أخرى يسوقه الله إليها بما يحمله من طين يصلح للزراعة، وتستقيم أحوالهم بهذا.

"وقوله: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [سورة المؤمنون:18] أي: جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الأرض، وجعلنا في الأرض قابلية له تشربه، ويتغذى به ما فيها من الحب، والنوى، وقوله: وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [سورة المؤمنون:18] أي: لو شئنا أن لا تمطر لفعلنا، ولو شئنا لصرفناه عنكم إلى السباخ، والبراري، والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أجاجاً لا ينتفع به لشرب ولا لسقي لفعلنا، ولو شئنا جعلناه لا ينزل في الأرض بل ينجر على وجهها لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه، ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه ورحمته يُنزل عليكم الماء من السحاب عذباً فراتاً زلالاً، فيُسكنه في الأرض، ويسلكه ينابيع في الأرض، فيُفتح العيون، والأنهار، ويَسقِي به الزروع، والثمار، وتشربون منه، ودوابكم، وأنعامكم، وتغتسلون منه، وتتطهرون منه، وتتنظفون - فله الحمد والمنة -".

الماء في باطن الأرض يجري، وفي مجارٍ محددة، وعروق يعرفها أهل هذا العلم، وهو على مراتب أيضاً، وطبقات، وهو أنواع في مرارته، وعذوبته وغير ذلك، فهذا كله من آيات الله - تبارك وتعالى - أسكن هذا الماء في الأرض فهو يجري فيها كما تجري الجداول، والأنهار، بل منها ما يجري في البحر، وجعل في البحار عيوناً عذبة يعرفها أهل البحار، حتى إنهم ينزلون، ويتزودون منها؛ وهم في البحر يملئون منها القِرب، يعرفون أماكنها منذ أزمنة متطاولة؛ فسبحان الله.