"وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [سورة المؤمنون:18-22].
يذكر تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد، ولا تحصى في إنزاله القطر من السماء بقدر أي بحسب الحاجة لا كثيراً فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع، والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي، والشرب، والانتفاع به، حتى إن الأراضي التي تحتاج ماءاً كثيراً لزرعها، ولا تحتمل دِمْنتها إنزال المطر عليها، يسوق إليها الماء من بلاد أخرى كما في أرض مصر، ويقال لها الأرض الجرز، يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها، فيأتي الماء يحمل طيناً أحمر، فيسقي أرض مصر، ويَقرّ الطين على أرضهم؛ ليزدرعوا فيه، لأن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال، فسبحان اللطيف الخبير، الرحيم الغفور".
هذا من اللطائف في المعاني، وفي خلق الله ، وبديع صنعه؛ الأرض التي تكون من قبيل السباخ، أو التي لا تمسك الماء أو نحو ذلك، فيهيئ الله لها من الأسباب ما يحصل به صلاحها، فأرض مصر يقولون: لا تنتفع بنزول المطر عليها، فيأتيها الماء من أماكن أخرى يسوقه الله إليها بما يحمله من طين يصلح للزراعة، وتستقيم أحوالهم بهذا.
الماء في باطن الأرض يجري، وفي مجارٍ محددة، وعروق يعرفها أهل هذا العلم، وهو على مراتب أيضاً، وطبقات، وهو أنواع في مرارته، وعذوبته وغير ذلك، فهذا كله من آيات الله - تبارك وتعالى - أسكن هذا الماء في الأرض فهو يجري فيها كما تجري الجداول، والأنهار، بل منها ما يجري في البحر، وجعل في البحار عيوناً عذبة يعرفها أهل البحار، حتى إنهم ينزلون، ويتزودون منها؛ وهم في البحر يملئون منها القِرب، يعرفون أماكنها منذ أزمنة متطاولة؛ فسبحان الله.