بمعنى أن هؤلاء مهما بلغ كفرهم، وعتوهم؛ فإن الله قد قدَّر لهم أجلاً، ووقتاً، لا بد أن يبلغوه، إما بعقوبتهم المستأصلة، أو لفنائهم بأجلهم مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ فإذا جاء ما قدر الله لهم أخذهم، لكن الناس قد يستطيلون هذا، ويستعجلونه؛ لأن الأعمار قصيرة، والصدور ضيقة، والإنسان إنما يَحسب بأيامه، فالإنسان يحسب السنوات الثلاث، والأربع، والعشر؛ أنها طويلة، لكنها في ميزان الله ليست بشيء، وإذا أردت أن تعرف هذا فانظر إلى القرون الماضية، وكيف أن الله - تبارك وتعالى - قص خبرهم، وكيف تتابعت الأمم من قوم نوح، ثم بعد ذلك عاد، ثم بعد ذلك ثمود، ثم بعد ذلك قوم شعيب، وهكذا تتابع هذه الأمم، وإذا قرأت في كتب التاريخ مثل: "البداية والنهاية" تجد أمماً متتابعة يهلكها الله - تبارك وتعالى - لكن كم كانت مدة الإمهال؟
والذين كانوا في ذلك الوقت كانوا يعتبرون المدة طويلة، وقد قال الله - تبارك وتعالى -: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ [سورة يوسف:110] يعني: وصلوا إلى حد انقطع معه الصبر جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء فالناس يستعجلون هذا، ويظنون أن الأمر ينتهي في سنة، أو سنتين أو نحو ذلك، وهذا لا يلزم.
وانظر إلى الاستعمار الذي بقي في إندونيسيا أربعمائة سنة، والذي بقي في الجزائر مائتي سنة، وفي مصر مائة سنة، وهؤلاء إخوان القردة والخنازير ما جلسوا مثل ما جلس إخوانهم، لكن الإنسان يستعجل أن هؤلاء مكثوا مدة طويلة، فلا يقيس الإنسان هذه الأمور بسُنيّات من عمره، لكن العاقبة للمتقين، العبرة بهذا، ويبتلي الله الناس بعضهم ببعض، فيؤخر الكفار؛ ليزدادوا كفراً، وإجراماً، وحتى يستوجبوا مزيداً من العذاب، ويبتلي المؤمنين، فينظر من يصدق في إيمانه، ومن لا يصدق وينافق.