الثلاثاء 26 / محرّم / 1447 - 22 / يوليو 2025
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَٰرُونَ بِـَٔايَٰتِنَا وَسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ۝ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ۝ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ۝ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ۝ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [سورة المؤمنون:45-49].

يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى وأخاه هارون إلى فرعون وملئه بالآيات، والحجج الدامغات، والبراهين القاطعات، وأن فرعون وقومه استكبروا عن اتباعهما، والانقياد لأمرهما؛ لكونهما بشرين، كما أنكرت الأمم الماضية بعثة الرسل من البشر، تشابهت قلوبهم؛ فأهلك الله فرعون، وملأه، وأغرقهم في يوم واحد أجمعين، وأنزل على موسى الكتاب وهو التوراة، فيها أحكامه، وأوامره، ونواهيه؛ وذلك بعد أن قصم الله فرعون والقبط، وأخذهم أخذ عزيز، مقتدر، وبعد أن أنزل الله التوراة لم يهلك أمة بعامة، بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين كما قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [سورة القصص:43]".

قوله - تبارك وتعالى -: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [سورة المؤمنون:45] هذا من باب عطف الصفات، فالسلطان المبين هو الآيات، والحجة يقال لها سلطان، وهو أحد الأقوال التي فسر بها قوله - تبارك وتعالى -: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [سورة الإسراء:33] قال بعض أهل العلم: أي حجة يتسلط بها ولي الدم على القاتل، ويكون له سبيل عليه، ويحتمل أن يكون هذا من باب عطف الأمور المتنوعة المتغايرة، فالآيات غير السلطان المبين، فتكون الآيات هي الآيات التسع التي ذكرها الله ، لكن ينبغي أن يخرج منها فلْق البحر؛ لأن هذه الآية التي حصل فيها فلْق البحر لم تكن من الآيات التي قدمت لفرعون من أجل أن يؤمن، وإنما كان فيها هلاكه، ثم ذكر الله هنا هلاكه: فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ [سورة المؤمنون:48] أي: هلكوا بفلق البحر، وقد غرق فرعون - كما هو معلوم - فلم يكن فلق البحر من أجل أن يؤمن فرعون، وإنما الطوفان، والجراد، وكذلك اليد، والعصا وهي أكبر الآيات، والسلطان المبين يمكن أن يقال: إنها الحجة الواضحة البينة.

ومن أهل العلم من يقول: هذا من باب عطف الخاص على العام، فالآيات المذكورة هنا هي الآيات التي ذكرها الله كاليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والسلطان المبين هو أعظم هذه الآيات وهي العصا، ولهذا بعضهم يقول في تفسير قوله - تبارك وتعالى -: فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى [سورة النازعات:20] بعضهم يفسر الآية الكبرى بما يشبه أفعل التفضيل يعني الأكبر من الآيات، فتكون هي العصا.

وبعضهم يقول: فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى [سورة النازعات:20] الآيات الكبار، ولا يختص ذلك بالعصا فيدخل فيها اليد مثلاً، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [سورة النجم:18].

وقوله - تبارك وتعالى - عن قول فرعون وقومه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [سورة المؤمنون:47] لذلك قص الله من خبره، واستعلائه، وتكبره أنه قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ [سورة الزخرف:51]، وقال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [سورة الزخرف:52] فتعالى، واستكبر، وتعاظم، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي [سورة القصص:38]، وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [سورة النازعات:24].

قوله: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [سورة المؤمنون:47]، من المعلوم أن بني إسرائيل الذين كانوا في مصر كانوا من القبط، وكانوا قد حلوا بمصر لما جاء إخوة يوسف مع أبويه، ثم كان أولئك من نسلهم تكاثروا، هذا مجيء بني إسرائيل إلى مصر، فكان مجيئاً عارضاً، ثم بعد ذلك خرج بهم موسى ﷺ لم يكونوا يعبدون فرعون، ولذلك لا حاجة لتفسيره بمثل هذا، وإنما يقال: العبادة تطلق على الطاعة، والانقياد، فكان يستعبدهم، ولهذا قال له موسى ﷺ: فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ [سورة طه:47]، وقال: وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ۝ حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الأعراف:104-105]، وقال الله : يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ [سورة القصص:4] فمعنى قوله - تبارك وتعالى -: وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [سورة المؤمنون:47] أي: مُذلَّلون مطيعون، منقادون مسخرون، أشبه ما يكونون بالخدم، ولم يكونوا من أشراف الناس.