الثلاثاء 13 / ذو الحجة / 1446 - 10 / يونيو 2025
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:5-7] أي: والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا، ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومَن تعاطى ما أحله الله له، فلا لوم عليه، ولا حرج، ولهذا قال: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [رواه المؤمنون:6-7] أي: غير الأزواج، والإماء فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:7] أي: المعتدون".

قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ [سورة المؤمنون:5-6] لم يقل الله - تبارك وتعالى - إلا عن أزواجهم، فعدي بعلى، وأهل الكوفة يقولون: يتضمن الحرفُ معنى الحرف فيقولون: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أي: إن على مضمن معنى عن.

ومن يقول بتضمين الفعل وما في معناه يقول: إن قوله - تبارك وتعالى -: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ حافظون مضمن معنى ممسكون عما حرم الله - تبارك وتعالى - أو قاصرون، فقاصرون، وممسكون يصح أن يعدى بعلى.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - "علق سبحانه فلاح العبد على حفظ فرجه منه فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه، وهذا يتضمن ثلاثة أمور: أن من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين، وأنه من الملومين، ومن العادين، ففاته الفلاح، واستحق اسم العدوان ،ووقع في اللوم، فمقاساة ألم الشهوة، ومعاناتها؛ أيسر من بعض ذلك"[1].

وقال الشنقيطي - رحمه الله تعالى -: "ذكر - جل وعلا - في هذه الآيات الكريمة أن من صفات المؤمنين المفلحين، الذين يرثون الفردوس، ويخلدون فيها؛ حِفظَهم لفروجهم أي من اللواط، والزنا ونحو ذلك, وبيَّن أن حفظهم فروجهم لا يلزمهم عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بعقد الزواج، أو بملك اليمين، والمراد به التمتع بالسراري، وبيَّن أن من لم يحفظ فرجه عن زوجه، أو سريته؛ لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعاً بفرجه وراء ذلك غير الأزواج...

المسألة الثالثة: اعلم أنه لا شك في أن آية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [سورة المؤمنون:1] هذه التي هي فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:7] تدل بعمومها على منع الاستمناء باليد المعروف بجلد عُميرة، ويقال له الخضخضة؛ لأن من تلذذ بيده حتى أنزل منيه بذلك فقد ابتغي وراء ما أحله الله فهو من العادين، بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا، وفي سورة سَأَلَ سَائِلٌ وقد ذكر ابن كثير أن الشافعي ومن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد، وقال القرطبي: "قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال: سألت مالكاً عن الرجل يجلد عُميرة، فتلا هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [سورة المؤمنون:5] إلى قوله: الْعَادُونَ قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له -: الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي، وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب، ولا سنة، وما روي عن الإمام أحمد - مع علمه، وجلالته، وورعه - من إباحة جلد عميرة مستدلاً على ذلك بالقياس قائلاً: هو إخراج فضلة من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها، فجاز قياساً على الفصد، والحجامة".

كلام الإمام أحمد كما هو مشهور فيما ينقله بعض أهل العلم عنه ليس بهذا الإطلاق، فالإمام أحمد يقيد ذلك بحالة الضرورة أنه إذا كان يتضرر يعني وصل إلى حد الضرورة، فالضرورات تباح عندها المحظورات "كما قال في ذلك بعض الشعراء

إِذَا حَلَلْتَ بِوَادٍ لَا أَنِيسَ بِهِ فَاجْلِدْ عُمِيرَةَ لَا عَارٌ وَلَا حَرَجُ

فهو خلاف الصواب؛ وإن كان قائله في المنزلة المعروفة التي هو بها؛ لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن، والقياس إن كان كذلك رد بالقادح المسمى فساد الاعتبار كما أوضحناه في هذا الكتاب المبارك مراراً، وذكرنا فيه قول صاحب مراقي السعود:

وَالْخُلْفُ لِلنَّصِّ أَوْ إِجْمَاعٌ دَعَا فَسَادَ الِاعْتِبَارِ كُلُّ مَنْ وَعَى

فالله - جل وعلا - قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [سورة المؤمنون:5] ولم يستثن من ذلك ألبته إلا النوعين المذكورين في قوله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [سورة المؤمنون:6]، وصرح برفع الملامة في عدم حفظ الفرج عن الزوجة، والمملوكة فقط؛ ثم جاء بصيغة عامة شاملة لغير النوعين المذكورين دالة على المنع هي قوله: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [سورة المؤمنون:7] وهذا العموم لا شك أنه يتناول بظاهره ناكح يده، وظاهر عموم القرآن لا يجوز العدول عنه إلا بدليل من كتاب، أو سنة؛ يجب الرجوع إليه، أما القياس المخالف له فهو فاسد الاعتبار كما أوضحنا - والعلم عند الله تعالى -".

يعني لا يقاس هذا على الحجامة - إخراج فضلة من الدم - فليس كالدم الفاسد، والحجامة لا يحصل بها تلذذ، كما أن هذا المني الذي يخرجه الإنسان في الواقع هو ليس بشيء موجود ومجتمع في الإنسان، فيحتاج إلى أن يخرجه حيناً بعد حين، وإنما هذا كما هو معلوم عبارة عن إفرازات توجد حينما يوجد مقتضاها، تتحرك الشهوة فتبدأ هذه الأشياء، ليست أشياء تجتمع، وموجودة، فبعد مدة يحتاج الإنسان إلى أن يستفرغها كما يحصل بالحجامة، والفصد، أو قطع العرق يخرج الدم.

"وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية بعد أن ذكر بعض من حرَّم جلد عُميرة واستدلالهم بالآية ما نصه: وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث قال: حدثني علي بن ثابت الجذري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين...[2].

ذكر في نوادر المغفلين أن مغفلاً كانت أمه تملك جارية تسمى عُميرة، فضربتها مرة، فصاحت الجارية، فسمع القوم صياحها، فجاءوا وقالوا: ما هذا الصياح؟ فقال لهم ذلك المغفل: "لا بأس، تلك أمي كانت تجلد عميرة[3]".

  1. الجواب الكافي (1/105).
  2. شعب الإيمان (7/329)، برقم: (5087).
  3. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5 /308-318).