الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرًا تَهْجُرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [سورة المؤمنون:67] أي: بالبيت يفتخرون به، ويعتقدون أنهم أولياؤه، وليسوا به؛ كما قال النسائي من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان، أخبرنا عبد الله عن إسرائيل عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: "إنما كُره السمر حين نزلت هذه الآية مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ فقال: مستكبرين بالبيت، يقولون: نحن أهله، سامراً قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه، ولا يعمرونه، ويهجرونه".

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [سورة المؤمنون:67] أي: بالبيت، أو بالحرم، وهذا أوسع من تخصيصه بالبيت، فكانوا يجلسون حول البيت كما هو معلوم، ويسمرون، ومن أهل العلم من يقول: الحرم كما يقول ابن جرير - رحمه الله -.

ومن أهل العلم من يقول: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ أي: بالحرم، أو بالبيت، والقول بأنه الحرم أوسع في المعنى.

وقوله: سَامِرًا تَهْجُرُونَ يعني: أنكم تسمرون، والسمر هو الجلوس بعد العشاء، الهَجْر هو الهذيان، وبضم الهاء، الهُجْر هو القول أو الكلام السيئ القبيح، الفحش، تقول: هُجراً يعني فحشاً، قال كلاماً سيئاً، وكل هذا حاصل، وهم يتكلمون بكلام في القرآن، وفي النبي ﷺ، بل وفي الله ويقولون: سحر وكهانة، وقوله: سَامِرًا تَهْجُرُونَ مثل قول الله : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [سورة الفرقان:30] سواء كان قد ترك القراءة، أو ترك التدبر، أو ترك العمل به، فكانوا يجلسون في الحرم، ويسمرون، فلم يهجروه بأبدانهم، ولكنهم هجروه من العمل الصالح، بل ويشركون بالله - تبارك وتعالى - فيه.

هذا قول الجمهور، وبعضهم يقول: المقصود بذلك القرآن، فقالوا: إنه كهانة وسحر، وأساطير الأولين، وإنه مختلق، وما شابه ذلك مما أخبر الله به عنهم، ومن قال بهذا القول قال: إن سماع الكفار للقرآن يورثهم الكبر، والتعاظم، والترفع، والأنفة، وهذا القول وإن استحسنه بعض المفسرين كابن عطية؛ إلا أنه لا يخلو من ضعف، فإنّ حمله على القرآن، وأن التكبر به يكون من هذا الوجه المذكور فيه شيء من التكلف - والله أعلم -، والراجح أن المقصود به البيت الحرام.