الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا۟ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلْأَوَّلِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قوله: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ۝ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ۝ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ۝ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ۝ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ۝ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۝ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ۝ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [سورة المؤمنون:68-75]".

"أم" هذه المنقطعة، والفرق بينها وبين المتصلة، أن المنقطعة هي التي لا يكون قبلها همزة التسوية، ومنه قوله - تبارك وتعالى -: سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا [سورة إبراهيم:21] فإذا سبقت بهمزة التسوية فليست المنقطعة، والمنقطعة هي التي تفسر بـ"بل"، والهمزة، وكذلك لا تكون منقطعة إذا كانت تدل على قدر أغنت عنه، تقول: مَن أعلم زيد أم عمرو؟، أي: أم عمرو أعلم؟ فيه مقدر محذوف فهذه ليست بمعنى بل، فهنا يقول الله - تبارك وتعالى -: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ [سورة المؤمنون:68] يعني: بل أجاءهم، فتفسر ببل والهمزة، بل أجاءهم من الكتاب.

"يقول تعالى منكراً على المشركين في عدم تفهمهم للقرآن العظيم، وتدبرهم له، وإعراضهم عنه؛ مع أنهم قد خُصوا بهذا الكتاب الذي لم يُنزل الله على رسول أكمل منه، ولا أشرف؛ لا سيما آباؤهم الذين ماتوا في الجاهلية حيث لم يبلغهم كتاب، ولا أتاهم نذير، فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا النعمة التي أسداها الله عليهم بقبولها، والقيام بشكرها، وتفهمها، والعمل بمقتضاها آناء الليل، وأطراف النهار؛ كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول ﷺ، ورضي عنهم".

إذا تدبروا القول فإنهم بذلك يعرفون الله ، وأسماءه، وصفاته، ويعرفون أن هذا القرآن لا يمكن أن يصدر من بشر، ولا يمكن أن يكون سحراً، ولا شعراً، وإنما هو كلام الله ، وأن البشر لا يمكن أن يأتوا بمثله، وإذا تدبروا هذا القرآن أيضاً عرفوا دلائل الوحدانية، والحجج، والبراهين التي تتلاشى معها أوهامهم، وشبهاتهم، وما هم عليه من الباطل، والكفر؛ إلى غير ذلك مما يتبين لهم بتدبر القول، فيعرفون مصدر هذا القرآن من جهة - إذا تدبروه -، وهذا مقصد من مقاصد التدبر للذين لم يؤمنوا بأن هذا القرآن من عند الله  ، فإذا تدبروا عرفوا مصدره، وعرفوا أنه لا يمكن أن يقوله البشر، وكذلك يعرفون ما تضمنه هذا الكتاب وما حواه من دلائل الإيمان، والتوحيد، وهذا أيضاً من مقاصد التدبر، وكذلك يعرفون ما تضمنه هذا الكتاب من ألوان الهدايات.

"وقال قتادة: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [سورة المؤمنون:68] إذاً والله يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله لو تدبره القوم، وعقلوه، ولكنهم أخذوا بما تشابه منه، فهلكوا عند ذلك، ثم قال منكراً على الكافرين من قريش: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [سورة المؤمنون:69].

قول قتادة - رحمه الله - أحد المقاصد التي تستخرج بالتدبر، والإنسان يحصل له خوف من الله لمّا يرى فيه الوعيد، وجزاء الأعمال، وما أشبه ذلك، لكن ليس هذا فقط زاجراً عن المعصية، أو زاجراً عن الكفر.

وقوله: أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ [سورة المؤمنون:68]، "أم" هي المنقطعة، يعني: بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين، وهذا يحتمل أنه تقرير لكونه لم يأت آباءهم كتابٌ، ولا رسول؛ فهم من أهل الفترة، وهذا فسرت به بعض الآيات لقوله - تبارك وتعالى -: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ [سورة يس:6] ففسرت "ما" بأنها نافية فنفي أن يكون جاءهم نذيرهم - أهل فترة -، وفسرت بأنها موصولة، فالمعنى يتغير تماماً، فمن أهل العلم من يقول: أَمْ جَاءهُم أي: بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، فلم يكن لهم عهد بالرسالة، والنبوة، والوحي، فأنكروا؛ واضح؟ هو تقرير بهذا المعنى.

والمعنى الآخر غير هذا فهو إنكار عليهم، والله يقول: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [سورة فاطر:24] وهو من ولد إسماعيل، ولا زالت بقايا دين إبراهيم، ويعرفون هذا، فهو ينكر عليهم، فهو لم يأتهم بشيء مستنكر، والله يقول: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ [سورة الأحقاف:9]، فالرسالة معهودة، ومعروفة، والنبوة وهم يفتخرون أنهم على دين إبراهيم ﷺ، ويُمتدحون بهذا، والقول الأول يحتج له ببعض الآيات التي ذكرها الله عن المشركين حينما ينكرون أنهم سمعوا هذا في آبائهم أو عرفوه.