"ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة، وسلطانه القاهر في برئه الخليقة، وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم، ولغاتهم، وصفاتهم، ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم، والآخرين؛ لميقات يوم معلوم، فلا يترك منهم صغيراً، ولا كبيراً، ولا ذكراً، ولا أنثى، ولا جليلاً، ولا حقيراً؛ إلا أعاده كما بدأه، ولهذا قال: وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [سورة المؤمنون:80] أي: يحيي الرمم، ويميت الأمم وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أي وعن أمره تسخير الليل، والنهار، كل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً، يتعاقبان لا يفتران، ولا يفترقان بزمان غيرهما كقوله: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [سورة يس:40] الآية".
قوله - تبارك وتعالى -: وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لما كان الله هو المدبر لهذا الكون، والمصرف له؛ فإن ذلك يعبر عنه بمثل هذه العبارة، واللام في "له" تأتي لمعانٍ منها الاختصاص ومنها الملك، فالله - تبارك وتعالى - له التدبير وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يعني: له تدبير ذلك وتصريفه، فالله هو الذي يجري هذه الأمور، ويقلبها.
ومن أهل العلم من يقول: هذا الاختلاف في الألوان فهذا أسود، وهذا أبيض، ومنهم من يقول: الاختلاف في الطول، والقصر، ومنهم من يقول الاختلاف في التعاقب يأتي الليل، والنهار بعده، وهكذا يختلفان كما قال الله : لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ فهذا الاختلاف يشمل ما ذكر من الطول، والقصر، ويشمل التعاقب الذي يحصل، ويتكرر؛ كما نشاهد - والله أعلم -.
"وقوله: أَفَلا تَعْقِلُونَ أي: أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شيء، وعزَّ كل شيء، وخضع له كل شيء؟".