"ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع، والأبصار، والأفئدة وهي العقول، والفهوم التي يذكرون بها الأشياء، ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله، وأنه الفاعل المختار لما يشاء.
وقوله: قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ أي: ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم، كقوله: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [سورة يوسف:103]".
يشير إلى قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ [سورة المؤمنون:78] فالسمع جنس، وإذا ذكرت الأبصار مجموعة فلا إشكال، ووجه جمع الأبصار، وإفراد السمع؛ من ناحية الاتحاد في السمع، بخلاف الأبصار فمن حيث أصل هذه الحاسة، وبعضهم يذكر متعلق هذه الأمور فكثرة المبصرات، وكثرة المرئيات؛ بخلاف السمع، فالأصوات شيء واحد.
ومما يذكره أهل العلم جنس السمع، فيشمل الواحد، والكثير فيه بمعنى هذا الجمع، وقوله: قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ من أهل العلم من ينزل القلة هنا منزلة العدم، ويُعبَّر بالقليل ويراد به المعدوم، وهذا معروف في كلام العرب، وهو أيضاً في مواضع في كتاب الله على هذا التفسير، وقد قال - تبارك وتعالى - في سورة الأحزاب: وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [سورة الأحزاب:18] فمن أهل العلم من قال: إنهم لا يأتون أصلاً، ومَن حمله على ظاهره قال: إنهم يأتون البأس قليلاً لغرض أخذ الغنيمة أو غير ذلك.
وهنا قال تعالى: قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ يعني: أن الشكر الصادر من العباد في مقابل هذه النعم العظام شيء قليل لا يكافئها، وهذا هو الأقرب - والله تعالى أعلم -، وليس ذلك بمعنى العدم، فلا يختص هذا الخطاب بالمشركين.