الأمانات تشمل كل ما اؤتمنتَ عليه من حقوق الله ، وحقوق الخلق، فابتداءً من النفس فهي أمانة لا يجوز للإنسان أن يضيعها، أو أن يعرضها إلى التهلكة، وهو لا يملكها، ومن ثم فليس له أن يتبرع، أو يتنازل عن شيء من أبعاضه، كذلك ما يتعلق بحقوق الله - تبارك وتعالى - من الفرائض، وما يتعلق بحقوق الخلق من أموال ائتمنوك عليها أو غير ذلك، فهذا كله من الأمانات، وبعض أهل العلم يفرق بين أحكام هذه الشريعة، ويقسمها إلى أمانات، وشعائر كما مر في الكلام على قوله تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [سورة الحج:32]، فذكرت هناك أن من أهل العلم من يجعل الشعائر هي الأمور الظاهرة مثل: الأذان، وصلاة الجماعة؛ وما شابه ذلك، والأمانات هي الأمور الخفية مثل: الطهارة، لو صلى من غير طهارة، وما يعلم به أحد، والصيام، وما أشبهه.
وعلى كل حال المعنى في قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ يشمل كل حق لله ، وكل حق للمخلوق، ومن ذلك النفس فهي ملك لله ، وإذاً كل ما أمرك الله بحفظه فهو من الأمانات، وكذلك العهود تحمل على المعنى الأعم وهو كل ما أخذ الله - تبارك وتعالى - عليك العهد بحفظه من حقوق الله، وحقوق الناس؛ فهو داخل في هذا، وكل ما أخذ عليك العهد به من قبل المخلوقين فالأيمان داخلة في هذا، والوعد داخل فيه، وقد قال - تبارك وتعالى -: وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً [سورة النحل:91]، ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [سورة المائدة:1] فالتعاقدات التي تكون مع المخلوقين، والمعاهدات، وما يقطعه الإنسان على نفسه كالنذر كل هذه الأشياء؛ داخلة في العهد وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [سورة المؤمنون:8] والراعي على الشيء أو للشيء هو القائم عليه بالحفظ، والرعاية، والاحتياط، والصيانة، والإصلاح مثلما يقال: راعي الغنم، وهو الذي يحفظها، ويقوم على شئونها بما فيه صلاحها، ونفعها، وهكذا أيضاً الراعي يقال للأمير وما في معناه باعتبار أنه يقوم على مصالح هؤلاء، وشئونهم بما فيه مصلحتهم، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إن الولايات إنما المقصود بها إقامة الدين، والدنيا".
فنصب الأئمة، والولاة، والحكام؛ إنما من أجل أن يقيموا للناس دينهم، ودنياهم؛ بما فيه مصلحتهم، ويدفعون عنهم كل ما يعرض لهذه الضرورات من الآفات التي تبطلها، أو تنقصها، أو تؤثر عليها بوجه من الوجوه، يرفضونها من جهة الوجود، ومن جهة العدم.
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق (1/16)، برقم: (33)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق (1/78)، برقم: (59).