الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [سورة المؤمنون:9]، هكذا قراءة الجمهور، وقراءة حمزة، والكسائي بالإفراد صلاتهم فهي قراءة متواترة.
"وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [سورة المؤمنون:9] أي: يواظبون عليها في مواقيتها كما قال ابن مسعود: سألت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله[1] أخرجاه في الصحيحين، وقال قتادة: على مواقيتها، وركوعها، وسجودها".

وهذا أعم بلا شك من الذي قبله، فالمحافظة على الصلاة لا تختص بالوقت، وإنما تشمل الوقت، وتشمل غيره مما يجب المحافظة عليه كالطمأنينة، وما يكون في هذه الصلاة من شروط، وواجبات، وأركان؛ وما أشبه ذلك، فيأتون بها على الوجه المشروع.

وإن كان الذي يتوجه إلى الذهن أن المحافظة المقصود بها المحافظة على الأوقات، ولكن ذلك لا يختص بالوقت، فيحمل على أعم من ذلك كما قال قتادة وهو الذي رجحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -، وفي مقابل هذا يقول الله : فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [سورة الماعون:4-5] فبعض أهل العلم يقول: هو الذي يتركها حتى يخرج الوقت، وبعضهم يقول: حتى إذا قارب الوقت للخروج صلاها يعني يتركها إلى آخر الوقت، وهذا - وإن قال به جماعة من السلف - إلا أن المعنى أعم الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [سورة الماعون:5].

وقد أخرج بعض السلف من هذه الآية معنى السهو في الصلاة؛ لأن الله - تبارك وتعالى - قال: عَن صَلَاتِهِمْ ولم يقل في صلاتهم، فحروف الجر تتناوب، فيدخل فيه تضييع الأوقات، وتضييع الشروط، والأركان، والواجبات، ويدخل فيه السهو في الصلاة الذي يكون بسبب الإهمال، والتفريط، والغفلة، والتضييع، فبعض الناس يدخل في صلاته، ويخرج منها ولا يدري ماذا قرأ الإمام، ولا يدري كم صلى من الركعات، فهذا داخل في قوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [سورة الماعون:5].

"قال: وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة، واختتمها بالصلاة؛ فدل على أفضليتها كما قال رسول الله ﷺ: استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن[2]".

هذه من اللطائف، واللفتات الجميلة في هذا الكتاب، وذلك أن الله لما ذكر صفات أهل الإيمان افتتحها بالصلاة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [سورة المؤمنون:1-2]، واختتمها أيضاً بالصلاة، فدل على منزلة الصلاة، فمن لم يكن كذلك - يعني من أهل الخشوع فيها، والمحافظة عليها -؛ فليس من أهل الفلاح.

  1. رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها (1/112)، برقم: (527)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله - تعالى - أفضل الأعمال (1/89)، برقم: (85).
  2. رواه ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب المحافظة على الوضوء (1/101)، برقم: (277)، وأحمد (37/60)، برقم: (22378)، وصححه الألباني.