الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
قُلْ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ أي: بيده الملك مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [سورة هود:56] أي: متصرف فيها، وكان رسول الله ﷺ يقول: لا والذي نفسي بيده[1]، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: لا ومقلب القلوب[2] فهو - سبحانه - الخالق، المالك، المتصرف وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".

قوله: قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ أي: بيده الملك، وزيادة التاء - ملكوت - مثلما يقال الجبروت يقولون للمبالغة، فهي بمعنى الملك، ولكن زيدت التاء للمبالغة، ملكوت.

"وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحداً لا يُخْفَر في جواره، وليس لمن دونه أن يجير عليه؛ لئلا يفتات عليه".

"لا يُخفَر في جواره" أي لا ينتهك ذلك المُجار.

"ولهذا قال الله: وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ أي: وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه، الذي له الخلق، والأمر، ولا معقب لحكمه، الذي لا يمانع، ولا يخالف، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقال الله: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [سورة الأنبياء:23] أي: لا يسأل عما يفعل لعظمته، وكبريائه، وغلبته، وقهره، وحكمته، وعدله، فالخلق كلهم يُسألون عن أعمالهم كما قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ۝ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الحجر:92-93]".

قوله: وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ بمعنى أن الله - تبارك وتعالى - لا يمنع أحد من عذابه، لهذا يقول الله - تبارك وتعالى -: وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [سورة البقرة:48]، فالله - تبارك وتعالى - يجير، فإذا أجار أحداً لا يستطيع أحد أن ينتهك جواره، ولا يستطيع أحد أن يجير أحداً من الناس من الله ، فالخلق قد يجير بعضهم بعضاً، أما الله - تبارك وتعالى - فلا يجار عليه، ولا يستطيع أحد أن يمنع أحداً من بأس الله ، ونقمته، وعذابه، وهذا يدل على كمال عظمته ، وقوته، وعزته، فإن المخلوقين يجير بعضهم بعضاً، وقد يجير الواحد منهم، ولكن هذا الجوار يُنتهك، أما الله - تبارك وتعالى - فلا يحصل معه شيء من هذا.

  1. رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي ﷺ، برقم: (6632).
  2. رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي ﷺ، برقم: (6628).