الجمعة 18 / ذو القعدة / 1446 - 16 / مايو 2025
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّى مَا يُوعَدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ۝ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۝ وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ۝ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ۝ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۝ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ [سورة المؤمنون:93-98].

يقول تعالى آمراً نبيه محمداً ﷺ أن يدعو بهذا الدعاء عند حلول النقم رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ أي: إن عاقبتهم وأنا أشاهد ذلك، فلا تجعلني فيهم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه وإذا أردتَ بقوم فتنة فتوفّني إليك غير مفتون[1]، وقوله تعالى: وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ أي: لو شئنا لأريناك ما نحل بهم من النقم، والبلاء، والمحن، ثم قال تعالى مرشداً له إلى الترياق النافع في مخالطة الناس وهو الإحسان إلى من يسيء إليه، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة، وبغضه محبة فقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ، وهذا كما قال في الآية الأخرى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۝ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [سورة فصلت:34-35] الآية.

أي وما يُلهَم هذه الوصية أو هذه الخصلة أو الصفة إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ [سورة هود:11] أي: على أذى الناس فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم القبيح وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي: في الدنيا، والآخرة".

هذه من الآيات التي يقول بعض أهل العلم: إنها منسوخة، هذه السورة مكية، يقولون: منسوخة بآية السيف كل آية فيها عفو وصفح .... إلى آخره، وهذا الكلام فيه نظر، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - يرى أن مثل هذه الآية قد نسخت في حق الكفار بعد نزول الجهاد، وأنه لا مجال للعفو، والصفح، وإنما يكون ذلك محكماً في حق المؤمنين، هذا كلام الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - يقول: بعدما نزل الجهاد فلا مجال بـادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لكن هذا الكلام أيضاً ليس على إطلاقه، فهذه الشريعة جاءت بالرخص والعزائم، ففي أوقات الضعف يُعمل بمثل هذه الآيات النازلة بمكة الصبر، والدفع بالتي هي أحسن، والتجاوز والعفو، وفي أوقات القوة، والتمكين، والغلبة، والظهور؛ يعمل بآية السيف فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ [سورة التوبة:5] إلى آخره، ولهذا يقال للناس في حال الضعف والعجز عن مقاتلة الأعداء أو نحو ذلك يقال لهم: كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة النساء:77] حتى يصير حالهم إلى قوة فعند ذلك يقاتلون.

  1. رواه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة ص، برقم (3233).