الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
قَالُوا۟ سُبْحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا۟ ٱلذِّكْرَ وَكَانُوا۟ قَوْمًۢا بُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ۝ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [سورة الفرقان:17-19].

يقول تعالى مخبراً عما يَقَع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم مَن عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم فقال: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ".

الله - تبارك وتعالى - يقول: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ما يعبدون "ما" هذه تفيد العموم، ولهذا تستعمل لغير العاقل، والمعبودون من دون الله منهم ملائكة، وأنبياء، وصلحاء، ومنهم أيضاً جمادات من الأصنام، والأحجار، والأشجار، ومنهم حيوانات كالأبقار، فهنا الله - تبارك وتعالى - يقول: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ابن كثير - رحمه الله - العبارة التي عبر بها يقول: "تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم"، هكذا هذه العبارة تشعر أن ذلك يشمل الأصنام، والأحجار، والجمادات، كما يشمل أيضاً الملائكة، والأنبياء، والصلحاء؛ على هذا الاعتبار، ويحتج لذلك... في قوله: وَمَا يَعْبُدُونَ هذا من جهة، ويحتج له أيضاً بأنه جاء بـ"ما" التي لغير العاقل من باب التغليب، وقد تستعمل هذه مقام هذه تغليباً، فمن عُبد من دون الله من غير العقلاء أكثر من العقلاء؛ لأن غالب المعبودات من دون الله هي من الأحجار، والأشجار، وما إلى ذلك، ومن أراد أن يرى هذا أو يعرف هذا فليذهب إلى بلاد الهند على سبيل المثال فيرى كل شيء يعبد، حتى الفئران لها معابد، ويأتي الناس يتقربون إليها، ويوضع لها الحليب، فهاتان قرينتان على العموم، وكذلك الآيات التي تدل على هذا المعنى في القرآن، كقوله - تبارك وتعالى - في سورة يونس: وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ۝ فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ [سورة يونس:28-29]، فهذه تدل على هذا المعنى، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [سورة الأحقاف:5-6] هذه تصدق على الأصنام مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، ففي الآخرة يصدق عليهم مثل هذا: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء، ومن أهل العلم من حمله على الملائكة، والأنبياء، والصلحاء وما إلى ذلك كما نَقل هنا عن مجاهد - رحمه الله - قال: هو عيسى، وعزير، والملائكة؛ على سبيل التمثيل هنا، وإلا لو جاء أحد وقال غير هؤلاء ممن عُبد من دون الله من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، والصالحين فكذلك، وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم منهم الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، واحتجوا بأن الله يسألهم يقول: أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء فيجيبون: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا فيُكذّبون هؤلاء الكفار، ويتبرءون منهم، فيقولون: الجمادات ليست محلاً لهذا، ولا تُسأل فتجيب، وإنما ذلك في من يعقل، ولكن ما ذكرته من الأدلة سواء كانت قرائن من نفس الآية، أو الأدلة الأخرى تدل على أن هؤلاء المعبودين يتبرؤون في الآخرة، ولو كانوا من الأصنام من هؤلاء العابدين؛ ولذلك لو قيل بأن الأقرب الحمل على العموم وهو ظاهر القرآن لكان هذا - والله تعالى أعلم - أكثر موافقة، وهو الأسعد بالدليل - والله أعلم -.

"فقال: وَيَوْمَ يََحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قال مجاهد: "هو عيسى، وعُزَير، والملائكة، فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ.. الآية، أي: فيقول الرب - تبارك وتعالى - للمعبودين: أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني؛ أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم؟ كما قال الله - تعالى -: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ۝ مَا قُلْتُ لَهُم إلا ما أمرتني به.. [سورة المائدة:116] الآية، ولهذا قال - تعالى - مخبرًا عما يُجيِب به المعبودون يوم القيامة: قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ قرأ الأكثرون بفتح النون من قوله: نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ أي: ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحداً سواك لا نحن، ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا، ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ.. [سورة سبأ:40-41] الآية".

يعني هذا في جواب الملائكة، وسؤال الملائكة، والذين قالوا هم الملائكة، وعيسى - عليه الصلاة والسلام - قالوا: القرآن يدل على هذا، فالله أخبر عن سؤال الملائكة، وأخبر عن سؤال المسيح، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فهذا هو السؤال الذي يتوجه إليهم ذكره الله في موضع آخر.

"وقرأ آخرون: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ أي: ما ينبغي لأحد أن يعبدنا، فإنا عبيد لك، فقراء إليك، وهي قريبة المعنى من الأولى".

يعني الآن على القراءة المشهورة: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ الآن السؤال الذي يتوجه إليهم: أأنتم أمرتم هؤلاء؟ قلتم لهؤلاء اعبدونا؟ فكيف جاء الجواب على هذه القراءة التي نقرأ بها؟ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء على هذه القراءة يرد السؤال: هل أمرتموهم بعبادتكم؟ فالجواب الذي قد يتبادر أنهم يجيبون به أنهم سيقولون: لم نأمرهم بعبادتنا، وهم بماذا أجابوا؟ قالوا: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء، ولم يكن السؤال هل اتخذتم من دوني معبودات؟ أَسَألَ المعبودين: هل اتخذتم من دوني معبودات تعبدونها من دون الله حتى يقولوا له: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء؟ لا، وإنما السؤال: هل أمرتم هؤلاء بأن يعبدوكم؟

حاول جماعة من المفسرين أن يجيبوا عنه، كيف توجه إليهم السؤال عن شيء، فأجابوا بقولهم: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء هو لم يسألهم: هل اتخذتم من دوني أولياء؟ هم اتُّخِذوا أولياء من دون الله يعني معبودات، فبعض أهل العلم قال: إنهم أجابوا بذلك مخبرين عن عموم الخلق سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أي: معاشر المخلوقين، أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء فيصدق ذلك على العابدين الذين عبدوا هؤلاء، فيكون الجواب عن عموم الخلق تكلموا مجيبين عن عموم الخلق، وما كان ينبغي لهم.

ومن أهل العلم من قال: إنهم قالوا ذلك: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء يعني: إذا كنا نحن لا نفعل هذا فمن باب أولى أننا لا يمكن أن نرضى، وأن نقر أن يُتخذ من دونك أولياء، لاسيما أن نكون نحن الذين نُعبد، إذا كنا نحن لا نفعل هذا ولا نعتقد هذا، فالله هو الولي هو المعبود وحده، فكيف يسوغ لنا أن نتعبد الناس بذواتنا؟!، نحن لا نفعل هذا، ما نتخذ من دونك أولياء، فكيف نقبل أن يتخذ أحد من الناس ولياً من دون الله معبوداً، بل كيف نرضى أن نُعبد نحن من دونك؟!.

ويمكن أن يجاب بجواب ثالث ما رأيته لأحد من المفسرين لكن الآية تحتمل ذلك، يمكن أن يجاب بأن الولي يقال للولي الأعلى والأدنى، كما يقال هذا بالنسبة في كلام العرب، الآن السيد يقال له: ولي، والمملوك يقال له: ولي، السيد يقال له: مولى، والمملوك يقال له: مولى، سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء فيكونون أطلقوا ذلك على هؤلاء الذين عبدوهم، فالمعبود بالنظر إلى العابد تُعتبر العلاة التي بينهم من الطرفين، يقال للعابد بفعله مع المعبود: إنه اتخذه ولياً، وهؤلاء العابدون بالنسبة للمعبود يعتبرون أولياء أيضاً بهذا الاعتبار، سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء يصرفون العبادة لنا، هذا من ناحية اللغة صحيح لا إشكال فيه، ويزول به الإشكال من وجه قريب جداً، نحن لم نتعبدهم: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وإنما التعبد لله - تبارك وتعالى - وحده لا شريك له، فهذا احتمال، ولكن لم أجد ذلك في كلام أحد من المفسرين، وهذا معنى مغاير للمعاني الأخرى - للأجوبة الأخرى -، وهو جواب عن إشكال لكنه من ضمن ذلك يعد تفسيراً، وإذا كان الإنسان لم يجد هذا لأحد من المفسرين فإن الجراءة على أن هذا هو المعنى لا شك أن هذا فيه مجازفة، فرق بين أن يذكر الشيء على سبيل الاحتمال وبين أن يقال: هذا هو المعنى.

"وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ أي: طال عليهم العمر، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا".

لاحظ الآن يقولون: وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ يعني: بطول العمر، وإدرار الأرزاق، فنتج عن ذلك الإعراض، والغفلة، وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ يقول هنا: أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، لاحظ العبارة في غاية الدقة، يعني أقوال المفسرين: حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ نسوا هنا بمعنى تركوا، النسيان هنا بمعنى الترك وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ [سورة الحشر:19] يعني: تركوا عبادته، فهنا بعض المفسرين يقول: إن الذكر التوحيد حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ نسوا الإيمان، والتوحيد، وعبادة الله ، نسوا توحيده، وعبادته، لاحظتَ؟، ابن كثير عبر عن هذا بعبارة دقيقة تتلاءم مع الظاهر ظاهر اللفظ، يعني اللفظ الذكر، هل الذكر هو التوحيد؟ يقول: نسوا ما أنزلته إليهم، هذا الذي أنزله إليهم ذكر، من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، إذن هذا يوافق القائل بأن المقصود بذلك نسوا الذكر أي التوحيد، وهذا التفسير صحيح لكن قد يستشكله السامع أو الناظر فيقول: الذكر هل هو التوحيد؟ يعني هل كلمة الذكر تساوي التوحيد؟ معنى كلمة الذكر تعني التوحيد؟ من حيث الأصل اللغوي لهذه المادة فإن الذكر يطلق ويراد به معنى المصدر، ويطلق ويراد به معنى المفعول، يعني: المذكور ما يُذكر، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ يعني: ما ذُكّروا به، ما الذي ذُكّروا به؟ هو التوحيد، والإيمان الذي أوجب تركه لهم الخلود في النار، وإلا فإن الذي تركوه، وأعرضوا عنه إذا قيل التوحيد، يعني: وما يتفرع عنه، كل ما أُمروا به من عبادة الله وطاعته؛ كل ذلك تركوه، ونسوه، فإذا قيل التوحيد يعني بمعنى أن ذلك هو الأصل الكبير الذي يتفرع عنه كل معروف، وطاعة مما أمر الله به، وهو سبب دخول الجنة، وتركه سبب الخلود في النار، يعني: بهذه الطريقة نفهم هذا التفسير إذا قيل التوحيد، وإلا فليس معنى كلمة الذكر لو قيل لك: فسر كلمة الذكر ما تفسرها بالتوحيد، لكن كيف جاء هذا التفسير، وهو تفسير صحيح؟ بهذه الطريقة.

"وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا قال ابن عباس: "أي هلْكى"، وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري: "أي لا خير فيهم"".

هذه المعاني متقاربة، يعني حينما يقول: هلكى، قال ابن عباس: "هلكى"، وهذا الذي اختاره ابن جرير، وبه قال كثير من أهل العلم، والشنقيطي - رحمه الله - رجح هذا المعنى؛ بوراً أي هلكى، لكن حينما يقول بعض السلف: لا خير فيهم، نفس المعنى، الذي لا خير فيه، ولا جدوى، ولا نفع، ولا دفع؛ فهو في عداد الهلكى، وهكذا حينما يقال: إن ذلك بمعنى الكساد، تقول: بارت السلعة، وبارت المرأة، بمعنى: كسدت لم تتزوج، والسلعة لم يحصل لها نفاق؛ بارت الأسواق، بارت السلع، فكل ذلك يرجع إلى معنى واحد، هذه الأرض أرض بور، يعني: لا نبات فيها، فمعنى الكساد قريب من هذا، وهكذا أيضاً قول بعض السلف: لا خير فيهم، أرض بور لا خير فيها، لا نبات فيها، فلا حاجة للترجيح ترجيح أحد هذه المعاني.