قوله: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ كذبوكم، هذا خطاب من الله - تبارك وتعالى - متوجه إلى الكافرين، يقول: إن هؤلاء المعبودين حينما سئلوا: أأنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ فتبرؤوا منهم، فقال الله للعابدين: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ يعني: ما تدعون، وتزعمون من أن هؤلاء آلهة، وتنفع، وتضر، فتقربتم إليها من دون الله وعبدتموها، كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ وبعض أهل العلم يقول: إن هذا الخطاب متوجه لأهل الإيمان: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ من وحدانية الله، وأنه هو المعبود، فلا يعبد أحد سواه، كذبوكم بما تقولون، لكن هذا بعيد، وفي القراءات الأخرى: فقد كذبوكم بما يقولون.
وكما ذكر في ما سبق: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نُّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء نعم بضم النون فعلى هذه القراءة أنه اتُّخذ من دون الله لا إشكال في الآية السابقة، هنا: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ على هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير أو هذا المعنى الذي ذكره هو المتبادر، كذبكم أيها الكفار من عبدتم من دون الله - تبارك وتعالى -، وتبرءوا منكم.
وفي القراءة الأخرى: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا ما يستطيعون: يعني بعضهم يقول: فما يستطيعون لكم صرفاً للعذاب، ولا نصراً؛ فيخلصوكم مما أنتم فيه، فما يستطيعون لكم صرفاً، ولا نصراً، من قال بأن ذلك الخطاب يتوجه في قوله: فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ لأهل الإيمان، فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا يعني: صرفاً عن الإيمان، عن الحق، فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا لأنفسهم بما ينزل عليهم من العقوبة بسبب تكذيبهم إياكم، هذا المعنى لا يخلو من إشكال - والله تعالى أعلم -.
قال: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني: يشرك؛ لأن الشرك هو الظلم العظيم كما قال الله : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13]، وقوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] يعني: بالشرك كما فسره النبي ﷺ.