الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ۝ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ۝ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ۝ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا [سورة الفرقان:21-24].

يقول تعالى مخبراً عن تَعَنُّت الكفار في كفرهم، وعنادهم في قولهم: لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ كقوله: لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فنراهم عياناً،، فيخبرونا أن محمداً رسول الله، فهذا مثل قولهم: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا [سورة الإسراء:92]، ولهذا قال: أَوْ نَرَى رَبَّنَا، قال الله - تعالى -: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا، وقد قال - تعالى -: وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى.. [سورة الأنعام:111] الآية".

ليس هناك مجال للاجتهاد عندما يترك القول الراجح الذي صرح بترجيحه ويأتي بالقول الذي ضعفه أو ذكره احتمالاً، ويثبت الثاني ويترك الأول؛ هذا غير مقبول، لكن ليست هذه هي السمة الغالبة على الكتاب، هذه مواضع قليلة، أو نادرة، لكن هذا لربما نقول: من أكثر هذه المواضع يعني خطأ، نحن نقول: إذا ذكر ابن كثير قولين ليس له أن يقتصر على واحد منهما إذا كان ابن كثير لم يرجح، فيتوهم القارئ أن ابن كثير ذكر هذا فهو اختياره، هنا ابن كثير ذكر القول الذي رجحه، ثم ذكر القول الآخر احتمالاً، فيترك تفسيره، ويثبت ما كان.

فقال الحافظ ابن كثير في الأصل: "يقول تعالى مخبراً عن تَعَنُّت الكفار في كفرهم، وعنادهم في قولهم: لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أي: بالرسالة كما تنزل على الأنبياء، كما أخبر عنهم - تعالى - في الآية الأخرى: قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [سورة الأنعام:124]، ويحتمل أن يكون مرادهم هاهنا: لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ...".

هؤلاء في طلبهم تارة أرادوا أن ينزل الملائكة من أجل أن يروهم، ويشاهدوهم، وهنا في قوله - تبارك وتعالى -: لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا هذه الجملة تحتمل، لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا، في الموضع الآخر: أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ۝ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ [سورة الفرقان:7-8] فهناك أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا من أجل أن يكون معيناً له على أعباء الرسالة، أُنزِلَ إِلَيْهِ ما قالوا إلينا، وهنا أُنزلَ عَلَيْنَا فهذا يحتمل أن يكون كالأول، وحروف الجر تتناوب، لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أي: من أجل رؤيتهم بقرينة أنهم قالوا: أَوْ نَرَى رَبَّنَا يشاهدون الملائكة، كقوله: أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً [سورة الإسراء:92] فهذه الآية في المشاهدة، والرؤية، أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ فنشاهدهم ونراهم لنعرف صدقك، لولا أنزل إليه ملك فيكون معيناً له، أو تأتي بالله، والملائكة من أجل أن نراهم، وهنا هذه الآية تحتمل: لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ يعني بمعنى: هلا أنزل علينا الملائكة؟ يحتمل أن يكونوا أرادوا بذلك رؤية الملائكة، أو أن ينزلوا عليهم بالوحي كما نزلوا على النبي ﷺ فيكون ذلك كقوله - تبارك وتعالى -: وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [سورة الأنعام:124] نؤتى يعني: يوحى إلينا كما أوحي إليهم، فهذه الآيات منها ما هو صريح في هذا المعنى أنهم أرادوا أن يوحى إليهم، ومنها ما هو في المعنى الآخر أنهم طلبوا الرؤية، ومنها ما يحتمل هذا وهذا، فهذه الآية تحتمل المعنيين، وإذا كانت تحتمل معنيين هذا دل عليه القرآن في موضع، وهذا دل عليه القرآن في موضع؛ فلا يبعد لو قال قائل بأنهم طلبوا ذلك كله، وهذه الآية جاءت معبرة عنهما، والعلم عند الله .

أَوْ نَرَى رَبَّنَا قال: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا [سورة الفرقان:21] والعتو: هو مجاوزة الحد في الطغيان، وبلوغ الغاية في ذلك، عتوا عتواً كبيراً، جاوزوا الحد طغوا.