وقوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [سورة الفرقان:27] يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرْية فيه، وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة نَدِمَ حيثُ لا ينفعه النَدَمُ، وعضّ على يديه حسرةً، وأسفاً.
وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي مُعَيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم كما قال تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [سورة الأحزاب:66] الآيتين، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويَعَضّ على يديه قائلاً: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً يعني مَن صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما.
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ وهو القرآن".
الظالم هنا: جاء في المرويات في أسباب النزول أنها نزلت بسبب أُبَيّ بن خلف أو عقبة أو غير ذلك، لكن لا يصح من ذلك شيء في سبب النزول إطلاقاً، فيكون المعنى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يصدق على كل من كان كذلك.
يقول: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا والمقصود بالسبيل يعني: الطريق يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، وهكذا بمعنى المآب كما قال الله - تعالى -: فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا [سورة النبأ:39] بمعنى اتباع الرسول، وطاعته، والانقياد له، سبيلاً إلى طاعته.
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا [سورة الفرقان:28] كلمة فلان هذه تستعملها العرب إذا كانت تخبر عن قول قائل، يعني: لا تذكرها ابتداء الكلام، ما تقول: جاءني فلان فأكرمته، هذا لا يستقيم، يقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ويكنى بذلك عن الرجل المبهم، يعني: أراد أن يبهم اسمه فقال: فلان، والمرأة يقال عنها: فلانة يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ الآية، فكل من اتخذ غير الرسول يترك لأقواله، وآرائه؛ ما جاء به الرسول ﷺ؛ فإنه قائل هذه المقالة لا محالة؛ ولهذا هذا الخليل كنى عنه باسم فلان، إذ لكل متبع أولياء من دون الله فلان وفلان، فهذا حال الخليلين المتخالين على خلاف طاعة الرسول، ومآل تلك الخلة إلى العداوة، واللعنة كما قال الله - تعالى -: الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف:67]"[1].
- الرسالة التبوكية "زاد المهاجر إلى ربه" (ص: 46).