أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ لأن الله وصفهم بالصمم، والعمى، وأن لهم قلوباً لا يعقلون بها، فهم بهذا الاعتبار لا يسمعون، ولا يعقلون، ولا يبصرون، صم، بكم، عمي، فمن كان بهذه المثابة يكون كما قال الله - تبارك وتعالى -: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء [سورة البقرة:171]، وكان من جملة ما ذكر: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ يعني: شبه الداعي لهم بالراعي الذي يصيح بالغنم، فهي لا تفقه ما يقول، ولكنها تسمع مجرد الصوت؛ دعاء، ونداء، لا تدري ما حقيقة ذلك، وما ينطوي عليه، وما يتضمنه من المعنى، فهؤلاء الكفار بهذه المثابة، الله - تبارك وتعالى - أصمهم، وأعمى أبصارهم، وقد يستغرب الإنسان من حال هؤلاء الذين طُبع على قلوبهم حينما يرون الآيات، والدلائل الواضحات على وحدانية الله ، وصدق رسوله ﷺ، كيف لا يستجيبون؟! يعني: الذين عاصروا النبي ﷺ، ورأوا الآيات، هم فصحاء في غاية الفصاحة، ورأوا القرآن؛ وما آمنوا، طلبوا آية فانشق القمر، ورأوه، وشاهدوه، ومع ذلك لم يؤمنوا، المنافقون الذين كانوا مع النبي ﷺ يصلون معه في المسجد، ويرون وجهه في غاية الإشراق، ويرون دلائل صدقه، ويرون كل ما يمكن أن يدعو إلى الإيمان، ويسافرون معه، ويرون دعاءه ﷺ يستجاب حينما يجدبون، أو تضمحل أزوادهم أو مياههم، فيستغيث - عليه الصلاة والسلام - يستسقي، والماء أو السحاب يتبع يديه فيقول قائلهم: إنما هو سحاب عارض، تضيع ناقته فيستهزئ من يستهزئ منهم، ويقول: يدعي أنه يأتيه الوحي ولا يدري أين ناقته، ثم بعد ذلك يخبرهم عن مكانها، وأنه قد تعلق خطامها بشجرة في المكان الفلاني، فيذهبون، ويجدونها كما قال، كل هذه الآيات سفر طويل من المدينة إلى تبوك ذهاباً وعودة، وكل ما يشاهد فيه من الآيات، ودلائل الصدق، ومع ذلك يرجع أسوأ مما كان، ولهذا قد يستغرب الإنسان كيف يصل الإنسان إلى مثل هذه الحال؟! هي القضية: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ البهيمة إذا رأت العلف شمرت، وهذا هو غايتها، فهذا الكافر مثل البهيمة، بل أسوأ من البهيمة من وجوه متعددة، منها أن البهيمة ليس لها عقل، ومن ثَمّ فهي غير مكلفة، ولا ملومة، وبعض أهل العلم يقول: البهيمة تعرف ربها، وهؤلاء لا يعرفون ربهم، هؤلاء أعطاهم الله عقولاً فلم ينتفعوا بها، كما أن البهيمة لا تنكر وتكذب، وهؤلاء ينكرون ويكذبون، تركوا ما خُلقوا له، واشتغلوا بغيره، وهذه البهيمة مسكينة إنما غايتها أن تأكل، وتشرب، ولا يطلب منها أكثر من هذا، فيتحول الإنسان أحياناً إلى حال كأنه لا عقل له، ولا سمع، ولا بصر، مثلاً لو جئت بإنسان فيه علة فيه مرض انفصام عقلي مثلاً في بعض الصور، والحالات، وهذا الإنسان عنده تصورات، وعنده اعتقادات، وعنده أن فلاناً يكيد له، وأن فلاناً يتربص به، وأن فلاناً يحاربه... إلى آخره، وجلست تتكلم من اليوم إلى يوم القيامة لتقنعه، وأحياناً الكلام الذي يصدر منه كأنه كلام عاقل في صياغته، والذي لا يعرف حاله يظن أنه فعلاً هناك أناس سحروه، وفعلوا به الأفاعيل، قريبه، وزوجته، وفلانة، وفلان هم الذين يتربصون به، وتجلس تشرح له أياماً وليالِيَ أن هذا الكلام غير صحيح، وتجلي له هذه الشبه، وتورد له الأدلة، ثم تكتشف فيما بعد أنك كنت تتحدث كما تتحدث إلى الجدار تماماً لا فرق مثل الكلام مع الجدار، لا يتغير هذا الإنسان، هذه نهاية قدراته العقلية، ما يمكن أن تُغير، هؤلاء الكفار أسوأ حالاً، فلا تستغرب حينما ترى أحداً من المنافقين المردة، أو من الكافرين تقول: عجباً لهؤلاء ما يتعظون، ولا يعتبرون، وقد يصل الواحد منهم إلى سنٍّ رجله في القبر ولا يتوب، ما يحسب حساباته أن غداً سيموت، ويراجع نفسه بعد هذا العمر الطويل وما قضى فيه من الضياع، والفساد، والإفساد، والحرب على الله، وعلى رسوله، وعلى دينه، ماذا يرجو هذا الإنسان؟ خلاص، لا ينتظر إلا الموت، ما يرعوي، ولا يفكر، ولا يتوب، ولو عمر ألف سنة ما زاده هذا إلا عتواً، ومن نظر في دلائل القرآن عرف هذه القضية التي لربما ترد على المؤمن لماذا لا يتعظ هذا ويعتبر، وهكذا؟، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ، قد يأتي منافق ويصلي مع الناس في التراويح وهو يسمع الختمة تقول: ما يسمع هذه الآيات التي تهز الجبال؟ هو كالبهيمة التي تسمع الداعي أو الراعي الذي ينعق بها، ولكنها لا تنتفع بشيء فهو في عالم آخر، عند النبي ﷺ الآية تنزل، ويخرج ويقول: ماذا قال آنفاً؟.