"وقوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا أي: أرضاً قد طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها، ولا شيء، فلما جاءها الحياء عاشت، واكتست رُباها أنواع الأزاهير، والألوان؛ كما قال تعالى: فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ.. [سورة الحج:5] الآية.
وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم، وزروعهم، وثمارهم؛ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا.. [سورة الشورى:28]، الآية، وقال تعالى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.. [سورة الروم:50] الآية".
قوله: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا الأناسي بعضهم كسبيويه يقول: إنه جمع إنسان، وبعضهم كالفراء والزجاج يقول: إنه جمع إنسي، إنسي وأناسي، وهو يقول: إنسان وأناسي، جمع إنسان، يقول: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا.
قال الشوكاني - رحمه الله تعالى -: "ثم ذكر - سبحانه - علة الإنزال فقال: لِنُحْيِيَ بِهِ أي: بالماء المنزل من السماء، بَلْدَةً مَّيْتًا وصف البلدة بميتاً وهي صفة للمذكر؛ لأنه بمعنى البلد، وقال الزجاج: أراد بالبلد المكان، والمراد بالإحياء هنا إخراج النبات من المكان الذي لا نبات فيه وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا أي: نسقي ذلك الماء، قرأ أبو عمرو وعاصم - في رواية عنهما - وأبو حيان وابن أبي عبلة بفتح النون من نسقيه، وقرأ الباقون بضمها، ومِن في "مما خلقنا" للابتداء، وهي متعلقة بنسقيه، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال"[1].
- فتح القدير للشوكاني (4/94).