الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [سورة الفرقان:61-62].

يقول تعالى ممجداً نفسه، ومعظماً على جميل ما خلق في السماوات من البروج وهي الكواكب العظام في قول مجاهد، وسعيد بن جُبير، وأبي صالح، والحسن، وقتادة، كما قال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ.. [سورة الملك:5] الآية؛ ولهذا قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وهي الشمس المنيرة التي هي كالسراج في الوجود كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا [سورة النبأ:13].

وَقَمَرًا مُنِيرًا أي: مشرقاً مضيئاً بنور آخر من غير نور الشمس كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا [سورة يونس:5]، وقال مخبراً عن نوح أنه قال لقومه: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۝ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا [سورة نوح:15-16].

ثم قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً أي: يخلف كل واحد منهما صاحبه، يتعاقبان لا يفتران، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك كما قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ.. [سورة إبراهيم:33] الآية، وقال: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا.. [سورة الأعراف:54] الآية، وقال: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ.. [سورة يس:40]".

فيقول الله - تبارك وتعالى -: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا يقول الحافظ ابن كثير: يقول تعالى ممجداً نفسه، معنى تبارك يعني تعاظمت بركته، فإن هذه اللفظة تدل على هذا المعنى تكاثرت بركته، والبركة من الله ، وذلك يختص به، فلا يقال: تبارك فلان، تبارك علينا فلان، وإنما يقال: تبارك الله، وأما غيره فيقال: باركه الله، جعله الله مباركاً .. وما شابه ذلك.

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا قال: وهي الكواكب العظام في قول مجاهد وسعيد بن جبير ... إلى آخره، وبعضهم يقول: البروج هي المنازل المعروفة، ما أشار إليه الأخ قبل قليل، ما قرأه من الأصل من قول بعض السلف من أنها القصور وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [سورة النساء:78]، البرج أصل هذه المادة تدل على الظهور، والانكشاف؛ ولهذا يقال للشيء المرتفع برج لظهوره للناظرين، ومن هنا قيل التبرج بالنسبة للمرأة، ظهرت، وبدت محاسنها أو مفاتنها، أو مشت في وسط الطريق، أو خالطت الرجال يقال: متبرجة، فهو من الانكشاف، والظهور: جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا، ولهذا يقال للمباني المرتفعة برج لهذا المعنى، ومن هنا قال من قال بأن المراد بالبروج القصور، لفت الحافظ - رحمه الله - إلى أن ذلك إن قُصد به أن هذه القصور هي المنازل لهذه الكواكب أو النجوم فيجتمع المعنيان، وذلك للملازمة بين الحال والمحل، إذا قيل الكواكب أو منازل الكواكب، أو إذا كانت البروج بمعنى القصور، فهذه القصور منازل لهذه الكواكب مثلاً، هذا الذي يشير إليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله -.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَة: حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا يعلي حَدثنَا إِسْمَاعِيل عَن أبي صَالح: تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً قَالَ: النُّجُوم الْكِبَار، وَهَذَا مُوَافق لِمَعْنى اللَّفْظَة فِي اللُّغَة، فَإِن الْعَرَب تسمي الْبناء الْمُرْتَفع برجا قَالَ تَعَالَى: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [سورة النساء:78]، وَقَالَ الأخطل:

كَأَنَّها برجُ روميٍّ يشيّده باَنٍ بجصٍّ وآجُرٍّ وأحجارِ

قَالَ الْأَعْمَش: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرءونها: تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء قصورا، وَأما الْمُتَأَخّرُونَ من الْمُفَسّرين فكثير مِنْهُم يذهب إِلَى أَنَّهَا البروج الاثنا عشر الَّتِي تَنْقَسِم عَلَيْهَا الْمنَازل، كل برج منزلتان وَثلث، وَهَذِه الْمنَازل الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ يَبْدُو مِنْهَا للنَّاظِر أَرْبَعَة عشر منزلاً أبداً، وَيخْفى مِنْهَا أَرْبَعَة عشر منزلاً، كَمَا أَن البروج يظْهر مِنْهَا أبداً سِتَّة وَيخْفى سِتَّة، وَالْعرب تسمى أَرْبَعَة عشر منزلاً مِنْهَا شامية، وَأَرْبَعَة عشر يَمَانِية، فَأول الشامية السرطان، وَآخِرهَا السماك الأعزل، وَأول اليمانية الغفر، وَآخِرهَا الرشا؛ إِذا طلع مِنْهَا منزل من الْمشرق غَابَ رقيبه من الْمغرب وَهُوَ الْخَامِس عشر، وَبهَا تَنْقَسِم فُصُول السّنة الْأَرْبَع، فللربيع مِنْهَا الْحمل، والثور، والجوزاء، ومنازلها الشَّرْطَيْنِ، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، وللصيف مِنْهَا السرطان، والأسد، والسنبلة، ومنازلها: النثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، وللخريف مِنْهَا: الْمِيزَان، وَالْعَقْرَب، والقوس، ومنازلها: الغفر، والزبان، والأكليل، وَالْقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وللشتاء مِنْهَا: الجدي، والدلو، والحوت، ومنازلها: سعد الذَّابِح، وَسعد بلع، وَسعد السُّعُود، وَسعد الأخبية، وَالْفرع الْمُقدم وَيُسمى الأول، وَالْفرع الْمُؤخر وَيُسمى الثَّانِي، والرشا، وَلما كَانَ نزُول الْقَمَر فِي هَذِه الْمنَازل مَعْلُوما بالعيان، والمشاهدة، ونزول الشَّمْس فِيهَا إِنَّمَا هُوَ بِالْحِسَابِ لَا بِالرُّؤْيَةِ قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ [سورة يونس:5]، وَقَالَ تَعَالَى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [سورة يس:38-39] فَخص الْقَمَر بِذكر تَقْدِير الْمنَازل دون الشَّمْس وَإَن كَانَت مقدرَة الْمنَازل؛ لظُهُور ذَلِك للحس فِي الْقَمَر، وَظُهُور تفَاوت نوره بِالزِّيَادَةِ، وَالنُّقْصَان؛ فِي كل منزل"[1].

هذا الكلام مهم في الفرق بين الحساب القمري، والحساب الشمسي، وكثير من الناس يقولون: الحساب الشمسي أدق.

وقال - رحمه الله -: "ولذلك كان الحساب القمري أشهر، وأعرف عند الأمم، وأبعد من الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب الشمسي؛ ولهذا قال تعالى في القمر: وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [سورة يونس:5] ولم يقل ذلك في الشمس؛ ولهذا كانت أشهر الحج، والصوم، والأعياد، ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر، وسيره، ونزوله في منازله، لا على حساب الشمس، وسيرها، حكمة من الله، ورحمة، وحفظاً لدينه، لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب، فهذا الذي أخبرنا تعالى به من شأن المنازل، وسير القمر فيها، وجعْلِ الشمسِ سراجاً، وضياء يبصر به الحيوان، ولولا ذلك لم يبصر الحيوان، فأين هذا مما يدعيه الكذابون من علم الأحكام التي كذبُها أضعاف صدقها"[2].

هذه فائدة تضبط، وتراجع؛ تتأملوا فيها فيما يتعلق بالحساب القمري، والحساب الشمسي، عكس ما يدعيه كثير من الناس اليوم.

قوله - تبارك وتعالى -: وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا قال هنا: وهي الشمس المنيرة كالسراج، هذا لا إشكال فيه، ولكن على قراءة حمزة والكسائي قراءة متواترة: "جعل فيها سُرُجاً - جمع سراج - وقمراً منيراً"، السُّرُج هنا جمع لا يفسر ذلك بالشمس بمفردها؛ ولهذا فسره بعض السلف بالنجوم؛ لأنها وقّادة، فقالوا: السُّرُج هي النجوم العظام؛ لأنها تضيء، وليس كل نجم نراه مضيئاً، وبعضهم يقول: هي الشمس، والكواكب، كلها سُرُج، سواء كان ذلك يضيء بذاته فيما جعله الله خاصية فيه - يعني يتوقد -، أو كان يكتسب ذلك من غيره من النجوم، أو الشموس الوقادة.

وكبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - يقول: السُّرُج هي النجوم، والله - تبارك وتعالى - فرق بين الشمس والقمر، فجعل الشمس سراجاً، وأما القمر فجعله نوراً: وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا، فالسُّرج ما كان بمثابة الشمس من النجوم الوقادة، على هذه القراءة - والله تعالى أعلم -، كما قال: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا [سورة النبأ:13] وهذه هي الشمس.

وقوله - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً فسره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بالمعنى المتبادر المشهور يعني: يتعاقبان يخلف هذا هذا، فإذا انقضى الليل جاء النهار وهكذا، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يس:40]، فهما يتعاقبان بصورة مستمرة إلى أن يشاء الله يقول: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [سورة الأعراف:54]، وبعض السلف ذكر معاني أخرى لهذه الآية: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً يعني: أنهما متخالفان، ومِن التخالف: التخالف في الصفة والهيئة، هذا أبيض، وهذا أسود، ولكن المعنى المتبادر هو أنهما متعاقبان، يكون هذا خلفاً عن هذا - والله أعلم -.

قال: لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: جعلهما يتعاقبان توقيتاً لعبادة عباده، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار والعكس، وهكذا: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار..[3] الحديث.

لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ فهذا من التذكر، التوبة، ومن التوبة العبادة، فلله عبادة في الليل، وله عبادة في النهار، وهكذا أيضاً القراءة الأخرى المتواترة قراءة حمزة: لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذْكُرَ يعني: أن يذْكر ربه، والذكر يشمل ذكر اللسان، وذكر القلب، والذكر بالجوارح، لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذْكُرَ أن يتعبد لله ، فذلك يكون في سائر الأوقات في الليل، والنهار: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذْكُرَ يذكر ربه - تبارك وتعالى -، وبعضهم فسر قراءة الجمهور: يَذَّكَّرَ بمعنى: يتفكر، ويعتبر في هذا التعاقب، وما ينطوي عليه من الحكم العظيمة، حيث يترتب على ذلك مجيء الليل والنهار، هذا بسواده، وهذا بضيائه، وإشراقه، فيكون الليل محلاً أو وقتاً للنوم الذي جعله الله سباتاً، وجعل الليل ساتراً، وجعله لباساً، وجعل لهم النهار معاشاً يتفرقون فيه لطلب معايشهم، وأرزاقهم .. إلى غير ذلك من الحكم لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ يعني: يتفكر، ويعتبر، هكذا فسرها بعض أهل العلم.

والتذكر يشمل هذا جميعاً، فإن هذا يدخل فيه ذكر القلب فإنه يكون باستحضار عظمة الله ، والنظر في آلائه، ودلائل قدرته، ووحدانيته؛ وما أشبه هذا، فهذا التذكر يشمل هذه المعاني: أن يذكر ربه بلسانه، وأن يتعبد بجوارحه، ويكون ذاكراً بقلبه لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا وبعملٍ يزاوله يتقرب به إلى الله - تبارك وتعالى -، فإن الله المنعم المتفضل، وكل ما أسداه لعبده من توفيق لطاعة، أو إعانة على عمل، أو ما يهيئ له من الأسباب والنعم؛ كل ذلك يستوجب الشكر عليها قال ابن القيم - رحمه الله -: "قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، فَذكر تَعَالَى خلق اللَّيْل وَالنَّهَار، وأنهما خلفة أَي يخلف أحدهما الآخر لَا يجْتَمع مَعَه وَلَو اجْتمع مَعَه لفاتت الْمصلحَة بتعاقبهما، واختلافهما، وَهَذَا هُوَ المُرَاد باخْتلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا يخلف الآخر لَا يجامعه، وَلَا يحاذيه، بل يغشى أحدهما صاحبه فيطلبه حثيثا حَتّى يُزِيلهُ عَن سُلْطَانه، ثمَّ يَجِيء الآخر عَقِيبه فيطلبه حثيثاً حَتّى يهزمه، ويزيله عَن سُلْطَانه، فهما دَائِما يتطالبان، وَلَا يدْرك أحدهما صَاحبه"[4].

وقال - رحمه الله -: "فَهُوَ تَعْظِيم، وثناء مِنْهُ - تَعَالَى - على نَفسه بِجعْل هَذِه البروج، وَالشَّمْس، وَالْقَمَر فِي السَّمَاء، وَقد اخْتُلف فِي البروج الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآيَة، فَأكْثر السّلف على أَنَّهَا الْقُصُور، أَو الْكَوَاكِب الْعِظَام.

قَالَ ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره: حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا شُجَاع حَدثنَا ابْن إِدْرِيس عَن أبيه عَن عَطِيَّة: جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا قَالَ: قصوراً فِيهَا حرس"[5].

مثل هذه الآية العظيمة تغير حياة الناس اليوم فصار الليل مثل النهار إلى حد ما بما يسر الله من الأسباب، كان من الأسباب قلة الاعتبار، والتفكر بهذه الآية العظيمة، فيدخل الليل ولا يشعر به عامة الناس، وصارت الحياة متشابهة بالنسبة إليهم في الليل والنهار، فلا يكاد الإنسان يتفكر في هذا المعنى، ويتذكر، ويعتبر، وصاروا يدأبون في ليلهم كما يدأبون في نهارهم إلا قليلاً؛ ولذلك لو حصل لأحدنا أنه كان في محل آخر (قرية) ليس فيها شيء من هذا، فإذا جاء وقت غروب الشمس رأيت تغير الأحوال، قبل أيام لما انطفأت الكهرباء المساجد مظلمة، الطرقات مظلمة، تغيرت الحياة تماماً، وتحولت البيوت إلى شيء آخر، حياة الناس في السابق كانت هكذا، بعض المعاني قد لا ندركها جيداً إلا إذا عايشها الإنسان، فحينما كان المنافقون يتخلفون عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر؛ نحن نقول: صلاة العشاء مثل صلاة العصر، والظهر الآن بالنسبة لنا، لكن في السابق في ذاك اليوم ما تدري من الذي صلى معك، لا يُعرف من صلى، ومن لم يصل، الناس لا يرى بعضهم بعضاً، لا يعرف بعضهم بعضاً، فتفوت مثل هذه المعاني، لكن العاقل يتبصر في كل ما يجري، ويحصل، ويمر به، وينتفع بذلك جميعاً.

"وقوله تعالى: لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا أي: جعلهما يتعاقبان توقيتاً لعبادة عباده له ، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، وقد جاء في الحديث الصحيح: إن الله - تعالى - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل[6].

وقال مجاهد وقتادة: خِلْفَةً أي: مختلفين، أي: هذا بسواده، وهذا بضيائه".

  1. مفتاح دار السعادة، لابن القيم (2/195)
  2. مفتاح دار السعادة، لابن القيم (2/196)
  3. سيأتي تخريجه.
  4. مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/208).
  5. مفتاح دار السعادة، لابن القيم (2/195).
  6. رواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، برقم (2759).