الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَٱلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۝ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [سورة الفرقان:68-71].

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: سئل رسول الله ﷺ: أي الذنب أكبر؟ قال: أن تَجعل لله ندًا وهو خلقك، قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطْعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، قال عبد الله: وأنزل الله تصديق ذلك: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ.. الآية[1]، وهكذا رواه النسائي.

وقد أخرجه البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يحدث: "أن ناساً من أهل الشرك قَتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً ﷺ فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ.. الآية، ونزلت: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ [سورة الزمر:53] الآية"[2].

هذا الحديث أصله في الصحيحين أنه سبب نزول هذه الآية، وهذا صريح، لكن تأمل في الحديث الذي قبله، قال: وأنزل الله تصديق ذلك: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ..، هذه من العبارات والألفاظ في أسباب النزول وهي قليلة نسبياً، فنحن عرفنا في مناسبات سابقة في أصول التفسير أن أسباب النزول منها ما هو صريح، كأن يقول: سبب نزول هذه الآية كذا، أو يذكر حادثة، أو سؤالاً ثم يقول: فأنزل الله كذا، فنزلت الآية، وأن غير الصريح أن يقول: نزلت هذه الآية في كذا.

هذه القسمة الثنائية، وهي ليست قطعية، بمعنى: أن ذلك عند التأمل قد تجد بعض الروايات غير صريحة، وبعض الروايات صريحة، يحتاج إلى شيء من التأني يعني لا نحفظ قاعدة مثلاً، ونجريها على الجميع، وإنما القواعد أغلبية، فبمثل هذا الموضع الآن يحصل التردد، فهي إذا تأملت هذه العبارة: وأنزل الله تصديق ذلك، أنزل لا يعني أنه أنزله بعدما قال النبي ﷺ ذلك مباشرة، وأن سبب النزول هو حينما قال النبي ﷺ هذا، فهذه العبارة لا نستطيع أن نقول: إنها صريحة في سبب النزول، ولكنها ليست من جنس قولهم: نزلت هذه الآية في كذا، فهي بين بين، ولهذا لا نستطيع أن نقول: هذا هو سبب النزول، ولا نقطع بهذا، وإنما نقول يحتمل أن ذلك نزل في القرآن، لكن لم يكن هذا النزول مرتبطاً بقول النبي ﷺ هذا الحديث، فإذا لم يكن مرتبطاً فمعنى ذلك أنه ليس بسبب النزول.

فالرواية الأخرى يقول: ثم قرأ النبي ﷺ: والذين لا يدعون.. فهذا ليس بسبب نزول، معناه أن الآية نازلة قبلاً، ولهذا أقول: لا بد من التتبع للروايات، لا بد من التتبع، وإذا نظرت في روايات أحاديث أسباب النزول قد تجد ألفاظاً تدل على غير ذلك على غير العبارة الموجودة بين يديك.

فالمقصود أن هذه العبارة غير صريحة، فلا تشكل عليكم بكونها ليست مما عهد من غير الصريح حينما يقال: نزلت هذه الآية في كذا، فهذه صورة مترددة بين هذا وهذا، فلا تستعجل، لا تستعجل في الحكم على مثل هذه الأشياء، لكن يحسن أن تكون هذه الأمور حينما تطرح تطرح على سبيل المدارسة، والمذاكرة، أو التأمل، وأما الاستعجال في القطع، والحكم بالشيء، والجزم به؛ فهذا يحتاج إلى تروي كثير.

"وقوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: أَثَامًا واد في جهنم.

وقال عكرمة: يَلْقَ أَثَامًا أودية في جهنم يعذب فيها الزناة، وكذا رُوي عن سعيد بن جبير ومجاهد.

وقال السدي: يَلْقَ أَثَامًا: جزاء.

وهذا أشبه بظاهر الآية؛ ولهذا فسره بما بعده مبدلاً منه، وهو قوله تعالى: يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: يكرر عليه، ويغلظ، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا.

قوله: يَلْقَ أَثَامًا الأثام فسره من فسره كما سمعتم بالوادي في جهنم، وبعضهم يقول: الأصل الأثام بمعنى العقاب، يَلْقَ أَثَامًا أي: عقاباً، وهذا لا يخالف ما ذكره عن السدي من أنه جزاء، فالعقاب جزاء لهذا الذنب، والفعل السيئ، وقد يعبر بالسبب عن المسبب كما يعبر بالمسبب عن السبب أحياناً، يَلْقَ أَثَامًا يعني: إذا قلنا جزاء، أو قلنا عقاباً؛ فهذا كأنه تفسير لهذا، لا إشكال فيه، فيكون من قبيل اختلاف التنوع؛ ولهذا يقول مثل الفراء: آثمه الله أثاماً يعني: جازاه جزاء، وجزاء الإثم هو العقوبة، نعم العقاب، فبعضهم يقول: عاقبه؛ ولهذا ابن جرير - رحمه الله - يقول: يَلْقَ أَثَامًا أي: عقاباً، وكلامه هذا في الواقع موافق لابن كثير - رحمه الله -، ما ذكره السدي وكذا ما ذكره أيضاً الفراء وغيره حينما يقال: جازاه جزاء الإثم الذي هو العقوبة، يَلْقَ أَثَامًا، وبعضهم يقول: الآثام والإثم بمعنى واحد، وذلك ما يكون من نتيجة وجريرة المعصية، الإثم يقال لما يترتب عليه من المؤاخذة، يقال: فلان آثم ويأثم، كما يطلق ذلك على المعصية، لكنه هنا في هذه الآية غير مراد، وإلا يقال: الخمر إثم، والزنا إثم، يعني: معصية؛ لأنها سبب للإثم، سبب.

ويَلْقَ أَثَامًا يعني: عقاباً أو جزاء فعله هذا من العقوبة - والله تعالى أعلم -.

وهذه العقوبة هي النار، وما فيها من ألوان العذاب، يكون الآثام وادياً في جهنم، هذا لا يقال من جهة الرأي في الأصل، لكن ينبغي أن يعلم أن ذلك قد أخذ عن النبي ﷺ، فلو ثبت ذلك عن رسول الله ﷺ فلا إشكال، فيقال: من فسره بالعقاب والجزاء فإن هذا تفسير له بالأعم، والحديث دل على المعنى الأخص وهو نوع منه، هو وادٍ في جهنم، لكن طالما أن ذلك ما ثبت عن النبي ﷺ فنحن لا نستطيع أن نجزم بأن قوله: يَلْقَ أَثَامًا أن ذلك وادٍ في جهنم؛ لأن هذا من قضايا الغيب نحتاج فيه إلى شيء تطمئن إليه النفس، يعني حتى لو قلنا: إن ذلك يستبعد مثلاً، أو لو استبعدنا وهو لا يستبعد، لو استبعدنا أن ذلك مما أخذ عن بني إسرائيل فيكون هذا من قبيل المرسل كما هنا، يعني: إلا إن كان جاء ذلك عن صحابي، هنا عن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمرو كان يأخذ عن بني إسرائيل، حصّل يوم اليرموك زاملتين يعني من كتبهم.

"وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا أي: حقيراً ذليلاً".
  1. رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68] العُقُوبَةَ، برقم (4761)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، برقم (86).
  2. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، برقم (122).