الإثنين 19 / ذو الحجة / 1446 - 16 / يونيو 2025
أُو۟لَٰٓئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَٰمًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال تعالى: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا ۝ خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ۝ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [سورة الفرقان:75-77].

لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة، والأفعال والأقوال الجليلة؛ قال بعد ذلك كله: أُوْلَئِك أي: المتصفون بهذه، يُجْزَوْن يوم القيامة الْغُرْفَةَ وهي الجنة، قال أبو جعفر الباقر، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسُّدِّيّ: "سميت بذلك لارتفاعها".

الغرفة يعني: الجنة، عبارات السلف في تفسيرها متقاربة غير متخالفة، ترجع إلى شيء واحد، فمن يقول: الجنة، ومن يقول: الدرجة الرفيعة؛ لا شك أن الدرجة الرفيعة الجنة، وابن جرير - رحمه الله - يقول: هي درجة رفيعة في الجنة أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا، وأصل الغرفة في كلام العرب تقال للبناء المرتفع، بخلاف ما تعارف عليه الناس اليوم، يقولون الغرفة للحجرة، وهذا ليس معروفاً في كلام العرب، وإنما تُطلِق العربُ الغرف على الحجر العالية، يقال لها: غرف، ليست كل حجرة يقال لها غرفة، الأسافل من ذلك لا يقال لها: غرف، والمقصود هنا بالغرفة أيضاً: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ المقصود الجنس الذي يصدق على الغرف الكثيرة، كما قال الله - تبارك وتعالى -: غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا [سورة الزمر:20] فهي غرف كثيرة، أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ فالغرفة هنا جنس يصدق على كثير، ليست غرفة واحدة.

"بِمَا صَبَرُوا أي: على القيام بذلك، وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا أي: في الجنة، تَحِيَّةً وَسَلامًا".

وقوله: بِمَا صَبَرُوا بسبب صبرهم على الطاعات، وعن المعاصي، وعلى أقدار الله المؤلمة، وهذا كثير في القرآن، قال الله - تعالى -: وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [سورة الإنسان:12].

"تَحِيَّةً وَسَلامًا أي: يُبْتَدرُون فيها بالتحية، والإكرام، ويَلْقَون التوقير، والاحترام، فلهم السلام، وعليهم السلام، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [سورة الرعد:24]".

يقول: وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا يعني: يبتدرون فيها، ويلقون تحية، يلقون في الجنة أن الله يحييهم بذلك، كما قال الله - تبارك وتعالى -: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [سورة الأحزاب:44]، وهكذا أيضاً الملائكة تسلم عليهم: وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ [سورة الرعد:23-24] فهنا يلقون فيها من الله، ويلقون فيها أيضاً من الملائكة، وقوله - تبارك وتعالى -: تَحِيَّتُهُمْ هناك يدخل فيه أيضاً تحية بعضهم لبعض.