"وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [سورة الفرقان:74] يعني: الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم، وذرياتهم من يطيعه، ويعبده وحده لا شريك له.
قال ابن عباس: يعنون من يعمل بطاعة الله، فتقرُّ به أعينهم في الدنيا، والآخرة".
يقول: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ أي: من يعمل بطاعته فتقر به أعينهم في الدنيا، والآخرة هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ من أزواجنا، "مِن" هذه ليست تبعيضية وإنما بيانية، هي بمعنى أنهم لا يريدون أن يكون بعض الزوجات، وبعض الأولاد؛ تحصل به قرة العين، وإنما أن يكون أزواجهم، وذرياتهم كذلك هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ولا شك أن قرة العين تحصل بصلاحهم، وإذا كان الولد، أو الزوجة؛ شقية، أو شقياً، بعيداً فإن ذلك يكون سبباً لشقاء الوالد؛ ولهذا لا يسأل الإنسان ربه أن يرزقه الولد هكذا سؤالاً مطلقاً، وإنما الأحسن أن يسأله أن يرزقه ولداً صالحاً، أن يرزقه ما تقر به عينه - والله تعالى أعلم -، وإن كان ظاهر الآية هنا ليس بسؤال الولد وإنما سؤال قرة العين في الأولاد، والذرية، والأزواج.
بمعنى: أن المقداد يقول: إن أصحاب النبي ﷺ كان الرجل يرى ولده على خلاف دينه، وزوجته على خلاف دينه، وهذا لا تحصل به قرة العين: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا إنما يكون ذلك بالإيمان، أي: يخرج الله من أصلابهم أهل إيمان، وصلاح، وتقوى؛ تقر بهم العين، ويدخل في هذا ما يحصل به كمال ذلك من البر للضرورة؛ لأن هذا من الصلاح، ولد بار صالح، وزوجة مطيعة، فإنها إن كانت صالحة مستقيمة فلا بد أن تكون مطيعة لزوجها، بذلك تحصل قرة العين، وأما ما يحصل من خلاف ذلك فهو خلاف التقوى، يعني: قد يُبتلى الإنسان بامرأة تزعم أنها طالبة علم، وتُقَمِّش، وتقرأ في الكتب - بعض النساء قد يحصل منها هذا، وليس الكل - فإذا تزوجها بقيت تجادل في كل شيء، فإذا قال لها: تذهبين لأهلي، قالت: لست مأمورة ببرهم، وليسوا من أرحامي، الله أمرني بصلة الرحم، وهؤلاء ليسوا من الرحم الذي يجب وصلها، وإذا قال لها: تهيئين البيت، وتصنعين الطعام وكذا، قالت: هذا لا يجب، وإنما ذلك للخادم، وهكذا في كل قضية تبقى تجادل، هات الدليل، أرضعي الولد؛ لا يجب عليّ الإرضاع، سأحافظ على رشاقتي، وأناقتي، أو أعطني أجرة على الرضاع؛ لأن المرأة لا يجب عليها، وتحضر له كلام أهل العلم، فهذه لا تكون قرة عين.
قوله: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا إماماً هنا مفرد، نعم والكلام في الجمع، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ والذين، وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، جمع وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ، وَاجْعَلْنَا ولم يقل: واجعلني لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا فقابل الجمع بالمفرد، فبعض أهل العلم ذكر أن ذلك باعتبار التقسيم: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أي: كل واحد منا إماماً، فأفردها، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن قوله: إماماً بمعنى الجنس، وهو يصدق على الواحد والجمع، وهذا كثير، كما في قوله تعالى في سورة النور: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31] يعني: الأطفال، ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [سورة غافر:67] يعني: أطفالاً، وهكذا؛ سواء كان هذا الجنس بالإضافة أو من غير إضافة، فإنه بمعنى الجمع.
قوله: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أي: أئمة، ليس المراد بهذه الآية طلب الرئاسة والتقدم على الناس في هذه الأمور، وطلب العلو في الأرض؛ ليس هذا المراد، وإنما المراد الإمامة في الخير كما في قوله - تبارك وتعالى - في سورة البقرة قال: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [سورة البقرة:124] ليس معناه ملكاً، أو حاكماً، وإنما: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [سورة النحل:120] فهو الرجل المقتدى به، الجامع لخصال الخير التي تفرقت في غيره.
قال: وَمِن ذُرِّيَّتِي [سورة البقرة:124] يعني: أئمة اجعل أئمة، قال: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ عهد الله بالإمامة، فقد يفهم بعض الناس أن المراد بهذا: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ يعني: بالولايات، والسلطان، والملك، وليس هذا هو المراد؛ لأن هذه الولايات تكون للمؤمن والكافر، فلا يشكل هذا، يعني قد يقول قائل: قال: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ونجد كثيراً من الظالمين تكون لهم الولاية، والسلطان!، ليس هذا هو المراد، وإنما إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يعني: يقتدى به في الخير، قال: وَمِن ذُرِّيَّتِي قال: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فهؤلاء لا تكون لهم الإمامة في الدين ولو كان منتسباً للعلم، فما كل منتسب للعلم يصلح للإمامة في الدين؛ ولهذا يقول الله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة التوبة:34] يعني: خلاف الإمامة الحقيقية، فهنا: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا هذا تعليم من الله لأهل الإيمان بهذا الدعاء بمعنى أن يكون صالحاً، وأيضاً أن يكون مصلحاً يقتدى به، فليس هذا من الرئاسات في شيء، وأرجو أن يكون المعنى واضحاً.
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (23810)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير يعمر بن بِشْر، وهو ثقة"، وابن حبان في صحيحه، برقم (6552)، وصحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2823).
- رواه الإمام مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (1631)، ولفظه: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.