"وقوله: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ هذه آية أخرى، ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار، وصِدْق من جعل له معجزة، وذلك أن الله - تعالى - أمره أن يُدخل يده في جيب دِرْعِه، فإذا أدخلها، وأخرجها؛ خَرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر، لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله: فِي تِسْعِ آيَاتٍ أي: هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن، وأجعلهن برهاناً لك إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ".
قوله - تبارك وتعالى - هنا: فِي تِسْعِ آيَاتٍ بعضهم يقول: هذا متعلق بمحذوف مقدر يعني اذهب إلى فرعون في تسع آيات، وهؤلاء يقولون: إن العرب تحذف من الكلام اختصاراً ثقة بفهم السامع، فِي تِسْعِ آيَاتٍ لكن مثل هذا الحذف في هذا المقام ليس ذلك مما يكون ظاهراً من السياق، هناك أشياء محذوفة معلومة من السياق لا إشكال فيها فيصدق عليها ما ذُكر، لكن هذا المحل ليس محل اتفاق أن هناك مقدراً محذوفاً، والأصل خلاف ذلك، إذا دار الكلام بين الإضمار، والاستقلال؛ فالأصل فيه الاستقلال، هذا الكلام من غير حذف إذا أمكن حمله على وجه صحيح فهو أولى، وهنا يمكن - والله تعالى أعلم -، وبعضهم يقول: هو متعلق بقوله: وَأَلْقِ عَصَاكَ، وَأَدْخِلْ يَدَكَ فيكون قوله: "في تسع آيات" متعلقاً بما ذكر قبله، يعني في جملة تِسْعِ آيَاتٍ فهما آيتان في جملة تسع، يعني من تسع آيات، وبعضهم يقول: بتسع آيات يعني مع تسع آيات، والأقرب: أنه في جملة تسع آيات يعني المجموع تسع مع هاتين الآيتين اللتين هما: العصا، واليد، ومن قال: مع تسع آيات فالآيات عنده إحدى عشرة آية، والله يقول: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [سورة الإسراء:101] والعلماء اختلفوا في عدها فمن أهل العلم من يقول: هنا مع تسع آيات فيكون المجموع إحدى عشرة آية، ثم عدها بعضهم على هذا فقال: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والجدب في الصحراء، ونقص الأموال، والثمرات عندهم في بلادهم، والطمس - طمس على أموالهم -، والفلق، والعصا، واليد، ومن قال: إنها في تسع آيات أي في جملة تسع آيات يعني المجموع تسع فهاتان آيتان منها يعني: اذهب في هاتين الآيتين في جملة تسع آيات أعطاها الله لموسى ﷺ، ولعل من أحسن ما قيل فيها - والله تعالى أعلم - في تفسير قوله: فِي تِسْعِ آيَاتٍ ما ذكره النحاس، وهو ظاهر كلام كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله تعالى - من أن المقصود بذلك أن هذه الآية المذكورة هنا داخلة في الآيات التسع، تنضاف إليها مع العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطوفان، والحجر الذي يضربه بعصاه فينفلق، والطمس على أموالهم، لكن لا يُعد ضرب البحر، وانفلاق كل فرق كالطود العظيم، وما حصل من إغراق فرعون، ونجاة موسى؛ داخلاً في هذه الآيات التسع؛ لأن هذه الآيات التي أعطاها الله موسى هي براهين على قوته، وحاجه بها فرعون، أما البحر فلم يكن من أجل المحاجة، ولا البيان، وإنما كان لإهلاكه بعدما تيقن، وعرف أحقية وصدق ما جاء به موسى ﷺ.