الجمعة 01 / محرّم / 1447 - 27 / يونيو 2025
أَلَّا يَسْجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ معناه: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ أي: لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من شيء من الكواكب وغيرها كما قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [سورة فصلت:37]".

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ معناه وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ أي: لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده"، فجعل قوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ يتعلق بقوله: فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ يعني لا يهتدون ألا يسجدوا لله، ومثل هذه الأشياء تمر أحياناً عابرة على من يقرأ، لكن فرق بين قراءة وقراءة، فابن كثير يقصد هذا المعنى قوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ كيف تفسرها؟ ابن كثير يرى أنها متعلقة بقوله: لا يَهْتَدُونَ فهم ما عرفوا الطريق إليه ، وإلى توحيده، وعبادته، فصاروا يوجهون العبادة للشمس، الحاصل أن في هذه الآية - أعني قوله تبارك وتعالى أَلَّا يَسْجُدُوا - قراءة الجمهور بالتشديد في أَلَّا، والقدر الذي نتيقنه هو أن الوقف على قوله: فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ على هذه القراءة وقف غير تام، يعني الكلام مرتبط بما بعده، لا زال المعنى لم يكتمل، فالوقف غير تام على قراءة الجمهور: أَلَّا، والوقوف على رؤوس الآي كثير من أهل العلم يقولون: هو السنة، وقد ورد ما يدل عليه، لكن الكلام في اتصال المعنى، فالمعنى لا زال متصلاً على هذه القراءة قطعاً، لكن يبقى النظر في قوله: أَلَّا يَسْجُدُوا يتعلق بماذا مما قبله؟ لأن هذا يتبين به المعنى، فالعلماء مختلفون في مثل هذا، وقد تقدم قول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إنه مرتبط بقوله: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فقوله: أَلَّا مرتبط بزيَّن كما يقول ابن الأنباري، فيكون المعنى زيَّن لهم الشيطان ألا يسجدوا، وبعضهم يعبر عن هذا "زيَّن لهم أن يسجدوا لله" بمعنى أَلَّا يَسْجُدُوا صدهم، وبعضهم يقول: وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم يقولون: إنه متعلق بقوله: فَصَدَّهُمْ صدهم أَلَّا يَسْجُدُوا يعني لئلا يسجدوا، وبعضهم يقول: هو متعلق بقوله: أَعْمَالَهُمْ يعني زين لهم هذا العمل القبيح وهو ترك السجود لله - تبارك وتعالى -، فيكون ذلك من قبيل البدل أي بدل من أعمالهم؛ ولهذا يقول ابن جرير - رحمه الله -: وزيَّن لهم الشيطان ألا يسجدوا يعني وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ لئلا يسجدوا لله، وبعضهم كابن كثير - رحمه الله - يقول: متعلق بيهتدون، فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله على هذا الاعتبار، ويقولون: إن "لا" زائدة، يعني "ألّا" أصلها "أنْ ولا"، فأدغمتا، بعضهم يقول: إن "لا" هذه زائدة، فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله، وتكون الزيادة لتأكيد وتقوية المعنى، فالقدر المشترك بين هذا كله أن الوقف غير تام، والكلام لا زال - أَلَّا يَسْجُدُوا - مرتبطاً بما قبله.

والقراءة الأخرى للكسائي قراءة متواترة أَلَا يَسْجُدُوا بغير تشديد في أَلَّا، وعلى هذا الاعتبار يكون الوقف تاماً أو غير تام؟ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلَا يَسْجُدُوا وتكون أَلا هذه حرف تنبيه، واستفتاح، والياء حرف نداء، ويكون اسجدوا فعل أمر كأنه يقول مثلاً: إن هناك منادى محذوفاً تقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا، يعني لا تكون الياء للمضارعة، ويدل على هذا أن الفعل مجزوم، والجازم لا يوجد، فدل على أن الفعل هنا ليس مضارعاً يَسْجُدُوا ليست يسجدوا بمعنى يسجدون، وإنما ألا يا هؤلاء اسجدوا هذا فعل أمر، والياء للنداء على قراءة الكسائي، وفي قراءة غير متواترة تروى عن ابن مسعود هلّا يسجدوا فتكون للتحضيض، وفي قراءة عن أبيّ ألا تسجدوا لله - والله تعالى أعلم -.

"وقوله: الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "يعلم كل خبيئة في السماء، والأرض، وكذا قال عكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد".

يعلم كل خبيئة: فيدخل فيه ما يذكره السلف من النبات إلى الأرض، والقطر من السماء، يخرج الخبء يعني المخبوء في السماوات فيشمل المطر، والنبات في الأرض؛ وما يخرج منها كالمعادن وغير ذلك مما نعلمه وما لا نعلمه.

"وقوله: وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ أي: يعلم ما يخفيه العباد، وما يعلنونه من الأقوال، والأفعال، وهذا كقوله تعالى: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [سورة الرعد:10]".