"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [سورة النمل:48-53].
يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة، والكفر، وتكذيب صالح، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة، وهموا بقتل صالح أيضًا؛ بأن يبيتوه في أهله ليلاً فيقتلوه غيْلَة، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه: إنهم ما علموا بشيء من أمره، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك فقال تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ أي: مدينة ثمود، تِسْعَةُ رَهْطٍ أي: تسعة نفر، يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود؛ لأنهم كانوا كبراء فيهم، ورؤساءهم".
لهذا بعضهم يقول: يُنظَر إلى معنى الرهط تِسْعَةُ رَهْطٍ قالوا: الرهط اسم للجماعة، قالوا: كأن هؤلاء كانوا من العظماء الرؤساء المتبوعين، فكانوا يفسدون في الأرض، ولا يصلحون، ويصدون الناس عن الاستجابة لنبي الله - عليه الصلاة والسلام -، فكل واحد من هؤلاء يتبعه جماعة، ويمكن أن يكون قد خص هؤلاء أي مع كثرة الكافرين من قومه باعتبار أنهم الأعتى، والأشد، والأبلغ، والأكثر في الفساد والإفساد كما قال ابن جرير - رحمه الله -: إن هؤلاء تميزوا على غيرهم، وزادوا؛ فخصهم؛ لسعيهم في قتل الناقة، إن الذين تآمروا على قتل الناقة واشتركوا في ذلك هم جماعة، ولكن الأحيمر من ثمود فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29] إن الذي باشر ذلك هو واحد منهم، ولكن الذين بيتوا هذا، واتفقوا عليه، وكذلك تآمروا على قتل صالح - عليه الصلاة والسلام -؛ هم هؤلاء التسعة، فهم مردة، فشياطين الإنس وشياطين الجن كثير، ولكنه قد يتميز بعضهم بمزيد من الفساد، والشر، والعتو، والتجبر على الله - تبارك وتعالى -، وعلى أهل الإيمان، فهؤلاء لهم مزية في ذلك: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وهذا يكاد يكون لكل زمان، ومكان، المردة، العتاة، المفسدون؛ فمن الناس من يكون فساده، وشره، وضلاله على نفسه، ومنهم من يحمل أو يتحمل ضلال الآخرين، ويدأب في صدهم عن الحق، ويحارب الأنبياء، والرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وأتباع الرسل غاية المحاربة، والله المستعان.
"قال العَوْفي، عن ابن عباس: "هؤلاء هم الذين عقروا الناقة" أي: الذين صدر ذلك عن آرائهم، ومشورتهم - قبحهم الله ولعنهم -.
قال الله - تعالى -: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، وقال تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [سورة الشمس:12].
وقال عبد الرزاق: أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني، سمعت عطاء - هو ابن أبي رباح - يقول: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قال: كانوا يقرضون الدراهم، يعني أنهم كانوا يأخذون منها، وكأنهم كانوا يتعاملون بها عددًا؛ كما كان العرب يتعاملون، وقال الإمام مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال: "قَطْع الذهب، والورق من الفساد في الأرض".
والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة وغير ذلك".