بعض العلماء يقول في قوله: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا: إن موسى - عليه الصلاة والسلام - كان يعيب دين الفراعنة، وآلهتهم، وإن ذلك تنامي إلى فرعون فخوفوه، وخافهم؛ فكان لا يدخل إلا في حال من التخفي، والترقب، والتوجس، فيدخل كما يقال في الأوقات الميتة: عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا إذا خَفّت الرِّجلُ يعني: لا يكون في الطرقات أناس في وقت راحة الناس إما في ليل، وإما في وسط النهار في وقت القيلولة مثلاً، وليس هناك دليل على تحديد هذا الوقت، لكن عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ، ومنهم من قال: إن ذلك وقع اتفاقاً ليس لأنه يقصد الدخول في هذا الوقت؛ فدخل في وقت كان الناس فيه قد لجئوا في بيوتهم، وأخلدوا إلى راحتهم؛ فوجد مثل هذا المشهد: رجل من الإسرائيليين يتقاتل مع رجل من الفراعنة، وهؤلاء الفراعنة كانوا يستضعفون الإسرائيليين، ويحملونهم على الأعمال الشاقة المهينة التي يترفع عنها الفراعنة، فكانوا يتعاملون معهم تعاملاً فيه استضعاف، وابتذال، وامتهان، فيحصل منهم عدوان على هؤلاء الإسرائيليين، فمنهم من يطأطئ رأسه، ويقْبل ما يحصل له من الذل، والمهانة، ومنهم من ينتصر لنفسه إن استطاع، أو يحاول ذلك، فحصل هذا الشجار بين الفرعوني والإسرائيلي.
فَوَكَزَهُ يعني: طعنه بجمع كفه، فمن أهل العلم من يقول: الوكز، والهز، والنكز وما شابه كل ذلك يرجع إلى معنى واحد الضرب باليد مجتمعة، ومن أهل العلم ممن يُعنون بذكر الفروق، من يفرقون بين هذه الألفاظ يقولون: اللكز هو الضرب على اللَّحْي، وفيه قراءة لابن مسعود لكنها ليست متواترة بطبيعة الحال وهي فلكزه لكزه فعلى هذا: التفريق، وبعضهم كالأصمعي يقول: اللكز هو الضرب على الصدر؛ ضربه على صدره، وبعضهم يقول: هو الضرب على أي موضع من الجسم كل ذلك يقال له: لكز، وأما الوكز فهو الضرب على القلب، وكزه ضربه على قلبه كما تقول: رأيته أي: ضربته على رئته، وذكروا أنه في بعض المصاحف وليس في المصحف الذي أمر عثمان بجمعه، وأمر بالتزامه، وقراءته: فنكزه، يعني فسر بالضرب، والدفع، وبعضهم قال: اللهز هو الضرب باليدين معاً على الصدر، لهزه، وبهذا يقول أبو عبيدة ومن وافقه.
"وقال قتادة: "وكزه بعصا كانت معه".
فَقَضَى عَلَيْهِ أي: كان فيها حتفه، فمات، قال موسى: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
بعض أهل العلم يقول في قوله: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يعني: كفر هذا الفرعوني هذا القبطي، وبعضهم يقول: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يعني: نفس القبطي أنه من جنود الشيطان، وهذا كله بعيد، والأقرب أن المقصود أن هذا الذي وقع مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ حيث استفزه، استفز موسى - عليه الصلاة والسلام -، فضرب هذا القبطي هذه الضربة التي أتت على نفسه، مما يدل على أنه ندم على هذا، وطلب المغفرة من الله ، وفي حديث الشفاعة الطويل أنهم لما يأتون إلى موسى ﷺ يعتذر بأنه قتل نفساً لم يؤمر بقتلها، ولهذا قال بعض أهل العلم: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ أي: باعتبار أنه لم يؤمر بقتله، ومن أهل العلم من يقول: إن موسى ﷺ لم يقصد قتله، وإن هذه الضربة عادة لا تقتل، وإنما ضربه فكان في ذلك حتفه من غير قصد للقتل، وإنه قصد بهذا: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ كما يقول ابن جرير: إن الشيطان هو الذي استفزه لهذا، وأثار مكامن الغضب في نفسه، فضرب هذا الفرعوني أو القبطي.