سواء كانت المنعة أو النعمة كل ذلك حصل له إلا على قول من يقول: إنهم - كما سبق - تنامى إليهم أنه يعيب آلهتهم، ودينهم؛ فخوفوه، فخافهم فكان لا يدخل إلا على حين غفلة من أهل المدينة، بحيث إنه لم يكن له منعة بعد ذلك، لكن هذا يحتاج إلى دليل، والعلم عند الله ، وقوله هنا: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بعضهم يقول: الباء هذه باء القسم أنه حلف بهذا؛ وهذا فيه نظر بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ يعني: يحتمل أن تكون "ما" بمعنى الذي إن كانت موصولة، أي بالذي أنعمت عليّ، فيكون من قبيل الحلف بغير الله، وهذا لا يكون من موسى - عليه الصلاة والسلام -، ويحتمل أن تكون "ما" هذه مصدرية يعني بإنعامك عليّ، وكثير من أهل العلم يقولون: إن هذه الباء هي باء السببية، وهذا أقرب - والله أعلم - بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ أي: بسبب إنعامك عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين، فلا يستعمل النعمة في مساخط الله - تبارك وتعالى -، مع أن بعض أهل العلم يقول: إن الكلام هنا هو من قبيل الدعاء، وليس من قبيل الخبر المجرد يعني فلا تجعلني ظهيراً للمجرمين، وجاء في قراءة لابن مسعود : فلا تجعلني يا رب ظهيراً للمجرمين احتجوا بهذه القراءة؛ ولهذا بعضهم كالفراء يقول: "اللهم فلا تجعلني"، يقول: فيه مقدر محذوف بما أنعمت عليّ يا رب فلا تجعلني، أو اللهم لا تجعلني ظهيراً للمجرمين، وأكثر أهل العلم على أن ذلك من قبيل الخبر، وأنه ليس بدعاء - والله أعلم -.