"قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [سورة القصص:33-35].
لما أمره الله - تعالى - بالذهاب إلى فرعون الذي إنما خرج من ديار مصر فرارًا منه، وخوفًا من سطوته قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا يعني: ذلك القبطي، فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ أي: إذا رأوني.
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا وذلك أن موسى كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خُيّر بينها وبين التمرة أو الدرّة".
مثل هذا يذكر، وهو من أخبار بني إسرائيل يقال: إن موسى - عليه الصلاة والسلام - حينما كان صغيراً كان يجلب لحية فرعون بقوة، ففرعون همَّ به، وخاف منه، فهمَّ بقتله، فعرضت عليه امرأته لما اعتذرت أن هذا صغير لا يفهم قالت: اعرض عليه تمرة وجمرة، أو درة وجمرة؛ فإن أخذ التمرة أو الدرة فهو يفهم، وإن أخذ الجمرة فلا يفهم، فأخذ الجمرة ووضعها في فيه، هكذا يقولون، ولا دليل على هذا، والعلم عند الله ، وقد يقول قائل: لأن هذا نحن لا نعلم صدقه من كذبه، وقد يقول قائل: بمجرد أخذها فإنها تحرق يده، ولا يستطيع إيصالها إلى فمه؛ يعني يكفي مس الجمر، لكن إن كان ذلك صحيحاً فيقال: إن الله - تبارك وتعالى - أراد أن تصل، ولا يرِد على هذا مسألة أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مبرؤون من العاهات، يعني لا يكون النبي أعمى، ولا فيه عاهة ينفر منها الناس مثلاً، وما حصل ليعقوب - عليه الصلاة والسلام - كان عارضاً مدة لم يكن من الأصل العمى، ثم بعد ذلك ارتفع بإلقاء القميص على وجهه، وموسى - عليه الصلاة والسلام - لم يكن كذلك، فكان ذلك عارضاً، ثم دعا ربه فحل عقدة من لسانه، فلما أرسله إليهم لم يكن به بأس - والله تعالى أعلم -.
"الردء" في الأصل يقال: للمعين في اللغة.