"وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سورة القصص:44-47] يقول تعالى منبهًا على برهان نبوة محمد ﷺ حيث أخبر بالغيوب الماضية خبرًا كأن سامعه شاهدٌ ورَاءٍ لما تقدم، وهو رجل أمي لا يقرأ شيئاً من الكتب، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئاً من ذلك، كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها قال تعالى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [سورة آل عمران:44] أي: ما كنت حاضرًا لذلك، ولكن الله أوحاه إليك، وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه، وما كان من إنجاء الله له، وإغراق قومه.
ثم قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة هود:49]، وقال في آخر السورة: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ [سورة هود:100]، وقال هاهنا - بعدما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها، وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه، وتكليمه له -: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ يعني: ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي".
قوله - تبارك وتعالى -: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ إلى آخره يعني كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن الله قص على نبيه ﷺ خبرهم كأنك تشاهده، وهذا أمر مشاهد أنك حينما تمر على قصص الأنبياء والأمم في القرآن كأنك تشاهدها، يأتي المشهد: نبي وما جرى له مع قومه، ثم بعد ذلك ينتقل بك إلى نبي آخر وما جرى له مع قومه، ثم مع نبي آخر بأخبار فصْلٍ، وحقائق لا يعتريها تشكيك، وإذا قرأت في الكتب المتقدمة وجدت أقوالاً وأموراً متناقضة، وأشياء لا يمكن أن تصل معها إلى ما تطمئن إليه النفس من خبرهم؛ لكثرة المنقولات المتناقضة والمتخالفة في الشيء الواحد التي لا يمكن أن تجتمع بحال من الأحوال، فالله - تبارك وتعالى - أنعم وتفضل فجاء بهذا القرآن، وتكلم به ، وأوحاه إلى نبيه - عليه الصلاة والسلام -، فجاء بهذه الحقائق الناصعة التي لا ترى فيها اختلافاً، ولا تناقضاً، وإنما هي في غاية الاتساق.
هنا قال: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ قال: يعني ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي، وبعضهم يقول: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ يعني الوادي الغربي، وبعضهم يقول: المقصود ما كنت بجانب الجبل الغربي كما يقول ابن جرير - رحمه الله -: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ يعني بجانب الجبل الغربي بناحيته الغربية، بهذا المكان الذي ذكره الله - تبارك وتعالى - يعني عند الشجرة بشاطئ الوادي الأيمن، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - لم يتعرض لتفسير قوله: إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ ومعناه أي عهدنا إليه، وحكمنا بالرسالة، وما أمره الله - تبارك وتعالى - به أمر قومه، وأرشدهم إليه، والقضاء يأتي لمعان متعددة منها: الحكم، والإلزام وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [سورة الإسراء:23]، حكم، وأمر، ووصى، ويأتي بمعنى الفراغ من الشيء فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ [سورة البقرة:200] يعني: فرغتم من أدائها إلى غير ذلك من المعاني، فالمقصود إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ فمن نظر إلى معنى الحكم قال: أي حكمنا إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى حكمنا، وألزمنا بما شرعنا، وأرسلنا، وما أمرنا به موسى ﷺ وقومه يعني حكمنا له بالرسالة، أمرناه، كلفناه، أرسلناه هذه عبارة المفسرين، فرضنا إلى موسى - عليه الصلاة والسلام - الأمر فيما ألزمناه، وقومه، وعباراتهم متقاربة تدور حول هذا المعنى، وتحوم حوله، وذلك يرجع إلى شيء واحد - والله تعالى أعلم -.
قوله - تبارك وتعالى -: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ يعني كأن الله أطلعك على ذلك، وأعلمك به، فهذا نفي لكونه كان حاضراً، ثم قوله: وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ هذا قدر زائد على مجرد الحضور، والاطِّلاع؛ لأن الإنسان قد يحضر قد يكون موجوداً، ولكنه قد لا يكون شاهداً، فنفى عنه هنا هذا وهذا، وَمَا كُنْتَ هناك، وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ الذين يشهدون على هذا، فنفى حضوره، ونفى الشهادة؛ يعني يقول: أنت لم تكن هناك، ولم تكن من الشاهدين على هذا الأمر، وهذا أبلغ في النفي، فالذي أطلع النبي ﷺ على هذه الأمور التي لم يدركها، ولم يعاصرها، ولم يكن موجوداً هناك، ولم يكن ممن شهدوا - أو شاهدوا - على هذه الأمور الواقعة هو الله - تبارك وتعالى - فقال: وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا أي وما كنت مقيماً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا حين أُخبرت عن نبيها شعيب وما قال لقومه، وما ردوا عليه، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - لا يقصد - والله أعلم - من قوله: وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ مدين التي جاء إليها موسى - عليه الصلاة والسلام -، وإنما يقصد قوم شعيب وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [سورة الأعراف:85] مع أنه قد يقول قائل: إن الأقرب إلى ظاهر السياق في قصة موسى ﷺ: وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا يعني: مدين التي ذهب إليها موسى وليس قوم شعيب - عليه الصلاة والسلام -، فقص الله خبره في مدين، ثم قص خبره حينما كان في طريقه إلى مصر، وما حصل له من الوحي، فبعدما ذكر ذلك قال: من أطلعك على هذه الغيوب؟ ولم تكن في مدين حينما جرى ما جرى لموسى - عليه الصلاة والسلام - من الخبر الذي قصه الله ، وما كنت أيضاً شاهداً حينما كلمه الله، وأوحى إليه؛ هذا لعله أقرب - والله تعالى أعلم -، وقوله - تبارك وتعالى -: تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا يحتمل أن يكون حالاً، أو خبراً بعد خبر، تَتْلُو عَلَيْهِمْ يعني حال كونك تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا، ويمكن أن يكون من قبيل الاستئناف، وإن كان الأول أقرب - والله تعالى أعلم - يعني وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ حينما جرى لموسى - عليه الصلاة والسلام - ما جرى، وحينما جاء ووجد أُمة من الناس يسقون، ثم جاءته إحداهما، وما حصل له من التزويج، تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا حال كونك تتلو عليهم آياتنا، وإذا كانت مستأنفة يكون وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ حينما وقع ما وقع، انتهى الكلام، ثم قال: تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا يعني تتلو على قومك الآيات التي تخبر عن هذه التفاصيل، والوقائع؛ كأنهم يشاهدونها، هذا قال به الفراء، ولكن عامة أهل العلم على الأول، وكأنه هو الأقرب إلى السياق - والله تعالى أعلم -، وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ أي: حال كونك تتلو عليهم آياتنا، أو يكون خبراً وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ وتكون التاء هذه هي اسم كان، وثَاوِياً هو الخبر الأول، وتَتْلُو هو الخبر الثاني، فتكون التلاوة على أهل مدين، تتلو على أهل مدين، ما كنت هناك، وتتلو عليهم آياتنا، وعلى قول الفراء: إنها مستأنفة تكون التلاوة على قومه: ها أنت تتلو عليهم آياتنا، مع أنك لم تحضر، ولم تشهد ذلك كله، والأول - والله تعالى أعلم - أقرب إلى السياق.
"وقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا أي وما كنت مقيماً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا حين أخبرت عن نبيها شعيب، وما قال لقومه، وما ردوا عليه وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أي ولكن نحن أوحينا إليك ذلك، وأرسلناك إلى الناس رسولاً وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا".
قوله - تبارك وتعالى -: وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعني: بعد هذه الأمم التي أرسل الله إليها الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، فتطاول الزمان على أمم لم يكن لهم عهد بالرسالة، فتنوسي ذلك العهد، فبعث الله محمداً ﷺ ليجدد عهد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وعهد الرسالات، والوحي، فجاء بهذه الحقائق الناصعة التي يقص الله بها خبر الأولين، وما جرى للمكذبين وغيرهم فكان ذلك رحمة من الله - تبارك وتعالى - بهم، يقول الحافظ ابن كثير: "ونسوا حجج الله عليهم، وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين" يعني تطاول عليهم العمر، وبعضهم يقول: إن ذلك يدل على أن الله - تبارك وتعالى - قد عهد إلى موسى في محمد - عليهما الصلاة والسلام - يعني عهوداً في الإيمان به، ومع طول العهد تنوسي ذلك، ولعل الأقرب - والله تعالى أعلم - هو الأول وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ بمعنى تنُوسيت الرسالات، واندرست، لاسيما العرب الذين بعُد عهدهم بالرسالة، فكانت الفترة التي بعث الله بها رسوله ﷺ على فترة من الرسل.
"وقال مقاتل بن حيان: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعثت"، وقال قتادة: "وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا أي: موسى"، وهذا - والله أعلم - أشبه بقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ، ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى أخص من ذلك وهو النداء كما قال تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى وقال تعالى: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، وقال تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً".
هناك وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ يعني بالرسالة، هذا حينما جاء من مدين، وهنا قال: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا والنداء معروف، بعضهم فسره بأن ذلك كان في المقام الآخر لما واعده ربه - تبارك وتعالى -، وناداه، وكلمه مع السبعين وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [سورة الأعراف:155]، فقالوا: المقصود بالنداء هنا عند الطور مع السبعين الذين اختارهم موسى - عليه الصلاة والسلام - من خيار قومه، وهذا يمكن أن يُتعرف على المراد به من خلال النظر في الآيات التي ذكرها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يعني مما يتصل بهذا - والله تعالى أعلم -، يقول هنا: كما قال تعالى: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى [سورة الشعراء:10] يعني أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فهذا نداء، وعبر بالنداء، وهذا حينما أرسله إلى فرعون حينما كان في طريقه من مدين فإن التوراة إنما نزلت بعد إهلاك فرعون، وبعدما جاوزوا البحر، وغرق فرعون، وحصل ما حصل، وحين فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [سورة الأعراف:138] إلى آخره، ثم بعد ذلك تركهم فعبدوا العجل، فهنا إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ، وقال تعالى: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [سورة النازعات:16]، قال له: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [سورة النازعات:17] فكان هذا في المرة الأولى حينما جاء من مدين، فكل ذلك عبر عنه بالنداء، وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [سورة مريم:52] فهذا يحتمل، فلو نظر في الأغلب في القرآن، والاستعمال مما صرح به من نداء؛ فيمكن أن يفسر به قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا يعني: حينما قال الله له: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [سورة طه:12-14] إلى آخر ما ذكر الله فهذا هو النداء المقصود - والله أعلم - بهذه الآية، فهناك ذكر الرسالة إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ أي: حكمنا له بالإرسال، وكلفناه، وألزمناه، وهنا ذكر النداء، ولا إشكال في هذا فهناك بالإرسال، وهنا في ذكر النداء.
"وقوله تعالى: وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي ما كنت مشاهداً لشيء من ذلك، ولكن الله - تعالى - أوحاه إليك، وأخبرك به رحمة منه بك، وبالعباد، وبإرسالك إليهم لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله ".
قوله: وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يعني: أرسلك، وأوحاه إليك، وأعلمك به؛ رحمة من ربك، هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو الذي عليه المحققون كابن جرير - رحمه الله - ونحوه.