قوله: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ هنا كما قال مجاهد: وَصَّلْنَا لَهُمُ يعني لقريش، وبعضهم يقول: اليهود، وبعضهم يقول: للجميع، جميع البشر من اليهود، والمشركين، وسائر الطوائف، فإن بعثة النبي ﷺ كانت عامة للأحمر والأسود، وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ "يقول مجاهد: "فصلنا"، وقال السدي: "بيّنا"، وقال قتادة: "أخبَرَهم كيف صنع بمن مضى"؛ هذا كله بمعنى واحد وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ بيناه، فصلناه، وضحناه، إلى آخره، وهذا كله يرجع إلى شيء واحد، لكن الذي قد يكون أوضح من هذا - وهو لا يخالفه لكنه أدق في التعبير - ما ذكره بعض المفسرين: وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ أي: أتبعنا بعضه بعضاً، وبعثنا رسولاً بعد رسول، فيكون هذا لكل البشر، أتبعنا بعضه بعضاً، بعثنا رسولاً بعد رسول، تقول: وصلتُ الحبل فربطت بعضه ببعض وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ، وهناك تتابع في الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، والوحي الذي ينزل عليهم لهداية الناس، وبعضهم يقول: وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ أي: أتممنا لهم القول، وبعضهم كابن زيد يقول: وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة، كأنهم يشاهدونها وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ والقول الذي تقدم أولاً، وقلت بأن هذا تفسير أدق، ولا يخالف ما سبق، وكلها أقوال للسلف وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ أي: أتبعنا بعضه بعضاً، وهذا راجع للبيان، لكن ما وجد تعبير بوصلنا، هناك ارتباط وَصَّلْنَا يعني: أتبعنا بعضه بعضاً، وعلى القول الأخير هو من هذا القبيل (أتبعنا) لكن هناك قال: "بالرسالات، والوحي؛ بعث الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، تتابعوا"، ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا [سورة المؤمنون:44]، وهنا وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ "أي: خبر الدنيا والآخرة كأنك تشاهد الآخرة" وأنت في الدنيا، ذكر لهم في الدنيا خبر الآخرة كأنهم يشاهدونها وهم في الدنيا وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ، ويحتمل أن يكون ذلك - والله تعالى أعلم -: أن الله أبلغَ في البيان، والإيضاح؛ كل ما يحتاجون إليه، فذكر لهم أخبار الأولين، وما جرى لهم في الدنيا، كما ذكر لهم خبر الآخرة، وما فيها من النعيم، والعذاب، ومشاهد القيامة، وما إلى ذلك، كل هذا بيَّنه في القرآن بمعنى أنه لم يترك شيئاً مما يحتاج إليه الناس إلا بيَّنه، والله - تبارك وتعالى - أعلم، وابن جرير - رحمه الله - يقول: وصلنا لقومك ولليهود القول بأخبار الماضين، وما أحللنا بهم لمّا كذبوا، وما سنفعل بمن كان على شاكلتهم، وصلناهم بأخبار الأولين، وما سنفعل باللاحقين ممن كان على هذه الشاكلة، وهذه الأقوال لا تتنافى فكلها تدور حول معنى البيان، والإيضاح، والتفصيل، فوصلنا، فصَّلنا، بيَّنا، بيَّن لهم ما يحتاجون إليه فقص خبر الأولين، وما حل بهم، وقص فيه الغيوب المستقبلة مما يجري من أهوال القيامة، والبعث، والنشور، والجنة والنار، وأخبرهم كيف صنع بمن مضى، وكيف هو صانع لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يعني من أجل أن يتذكروا.
وفي قوله: "خبر الدنيا بخبر الآخرة" يوجد في بعض كتب التفسير خير الدنيا بخير الآخرة، وهو تصحيف متكرر في بعض الكتب، وفي قوله تعالى: إِذْ نَادَيْنَا بعض المفسرين يرجح أن النداء المقصود به إِذْ نَادَيْنَا يعني نادينا هذه الأمة هناك، وأخبرهم بما لهم من رحمة وما أشبه ذلك، ويحتج ببعض الأحاديث، والآثار المنقولة، ولكنه لا يصح شيء منها، وبعض المفسرين رجح هذا: أن النداء حصل هناك إِذْ نَادَيْنَا يعني نادينا هذه الأمة، ويذكر أشياء في هذا النداء جاءت في بعض تلك الآثار، ولكنها لا تصح، فمبنى هذا الترجيح لدى بعض المفسرين هو تلك الآثار، فإذا كانت لا تصح فيبقى الكلام كله في ما حصل لموسى ﷺ.