الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ۝ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [سورة القصص:81-82].

لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه، وبغيه عليهم؛ عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض كما ثبت في الصحيح - عند البخاري - عن سالم أن أباه حدثه: أن رسول الله ﷺ قال: بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة[1].

ثم رواه عن سالم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ نحوه.

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: بينا رجل فيمَنْ كان قبلكم خرج في بُرْدَيْن أخضرين يختال فيهما؛ أمر الله الأرض فأخذته، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة[2] تفرد به أحمد، وإسناده حسن.

وقوله: فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ أي: ما أغنى عنه مالُه، وما جَمَعه، ولا خدمه، ولا حشمه، ولا دفعوا عنه نقمة الله، وعذابه، ونكاله، ولا كان هو في نفسه منتصرًا لنفسه، فلا ناصر له لا من نفسه، ولا من غيره".

يعني ما نفعه أعوانه، ولا دفعوا عنه، وما استطاع هو أن يدفع عن نفسه بأس الله، فإذا جاء بأس الله - تبارك وتعالى - بأي طريق كان فإن ذلك لا مرد له كما قال الله - تبارك وتعالى -: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [سورة الحشر:2] أي بنو النضير في حصونهم المنيعة التي ما كانوا يتوقعون أن يخرجوا منها، بل ما كان أهل الإيمان يتوقعون أن يُقدَر عليهم بسبب هذه المنعة مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا فذلك يكون إما بتسليط جنده عليهم بأمور لا تخطر على البال من الرياح، أو إلقاء الرعب في القلوب، أو بتسليط الناس أو غير هذا، فالله - تبارك وتعالى - له جنود السماوات، والأرض، فإذا جاء بأسه فإنه لا يرد عن القوم المجرمين، الظالمين، والله يُرِي الناس العبر، والآيات؛ في كل زمان، والناس في هذه الأوقات يشاهدون من آيات الله في هذا أموراً باهرة، شاهدَ الناسُ ما جرى في العراق، وما حصل لرجل كان من أكثر الناس ظلماً، وطغياناً، وجبروتاً، وتعاظماً، ولا تسأل عن فساده، وإفساده، ومحاربته لدين الله - تبارك وتعالى - فرأى الناس فيه آية، كيف تحولت تلك العظمة، والجبروت، والبطش إلى صغار، وذل، وهوان، والناس في هذه الأيام يشاهدون فصولاً مذهلة مما جرى في تونس من قِبَل رجل لربما لا يتجاسر الناس على مجرد السلام عليه هيبة وتعظيماً؛ لما له من وقع في نفوسهم، ومهابة، وتعاظم وما إلى ذلك، لم يُبقِ لهم - نسأل الله العافية - لا ديناً، ولا دنيا، عاث في الأرض فساداً، ثم بعد ذلك لما جاء بأس الله انظروا كيف تحول إلى مهانة، وصغار، وذل، والعالم كله يشاهد ذلك - نسأل الله العافية - هذا خزي في الدنيا، يشاهده الصغير والكبير، والعدو والصديق إن وُجد صديق، فالعالم كله يشاهد ذلك لحظة بلحظة بتفاصيله، وهو حديث الناس لا يمكن أن يُغطى ويستر أبداً، فإذا كان الإنسان بهذه المثابة، خزيٌ لا يندر أن يوجد مثله في القرون السابقة، ولربما يعرف خبرَ الإنسان مَن حوله، يعرفه أهل بلده، لكن اليوم بهذا الإعلام الكل يتفرج، ولربما من كان بعيداً يرى ما لا يرى القريب عن طريق الإعلام، يرون أكثر مما كان يشاهده الناس في البلد الذي وجد فيها ذلك الأمر، ويستوي من كان في أقصى المشرق مع غيره في معرفة تفاصيل ذلك كله، فهذا خزي في الدنيا - نسأل الله العافية -، فلا أحد يتمنى مثل هذه الحالة، لكن قبل ذلك لربما يغتبط الواحد لو أنه من هؤلاء البسطاء من مجرد نظرة أُتيحت له، فضلاً عن أن يحصل له سلام، أو ابتسامة، أو كلمة لربما يفخر بها، ويعتز، ويصيبه ما يصيبه من الزهو، والفرح المذموم، ثم من يتمنى هذه الحال، وهذا خزي - نسأل الله العافية -، وهكذا قارون في البداية خرج بهذه الأُبهة، ثم صار حاله إلى ما قص الله - تبارك وتعالى -، وأهل الإيمان يدركون حقائق الأمور، ولا يخفى عليهم ذلك قبل أن تقع تلك العواقب السيئة لهؤلاء؛ لأنهم ينظرون ويقيسون، ويعتبرون بالمقاييس الشرعية، فيزنون الأشياء بميزانها الصحيح، فلا يحصل لهم بسبب هذه المظاهر التي لربما تستهوي كثيراً من الناس فيحصل لهم اغترار، فيغيّب ذلك عنهم حقائق الأمور، لكن كثير من الناس الذين ينظرون بنظر سطحي؛ لا يدركون كثيراً من ذلك إلا بعد مدة، بعدما يولي الشيء ويدبر، عندها يعرفون ويتبينون - والله المستعان -.

  1. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ [سورة الكهف:9]، برقم (3297).
  2. رواه أحمد في المسند، برقم (11355)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، لضعف النضر بن إسماعيل، وعطية: وهو ابن سعد الكوفي، وقال الألباني: صحيح لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (2914).