الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْا۟ مَكَانَهُۥ بِٱلْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰفِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ أي: الذين لما رأوه في زينته قالوا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فلما خسف به أصبحوا يقولون: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ أي: ليس المال بدالٍّ على رضا الله عن صاحبه؛ فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة، وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب"[1]".

وهذا ثبت موقوفاً عن ابن مسعود ، ورفْعُه لا يخلو من ضعف، لكن له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال من جهة الرأي - والله تعالى أعلم -.

"لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا أي: لولا لُطف الله بنا، وإحسانه إلينا؛ لخسف بنا، كما خسف به، لأنا وَددْنا أن نكون مثله.

وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ يعنون: أنه كان كافرًا، ولا يفلح الكافر عند الله لا في الدنيا، ولا في الآخرة.

وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى هاهنا: وَيْكَأَنَّ فقال بعضهم: معناها: "ويلك اعلم أن"، ولكن خُفّفت فقيل: "ويك"، ودلَّ فتح "أن" على حذف "اعلم".

وقيل: "معناها: ويكأن، أي: ألم تر أن" قاله قتادة، وقيل: معناها "وي كأن"، ففصلها وجعل حرف "وي" للتعجب أو للتنبيه، و"كأن" بمعنى "أظن وأحسب".

هذه فيها كلام كثير للنحاة، والمفسرين، فالنحاس يقول: أحسن ما قيل في معنى وَيْكَأَنَّ ما قاله الخليل الفراهيدي وسيبويه، ويونس والكسائي وهم من كبار الأئمة في النحو واللغة: "إن القوم تنبهوا لما رأوا خسفاً به، تنبهوا فقالوا: ويك كما يقول المتندم: وي، ثم قال: كأن؛ يعني أنها مفصولة، فبعضهم يقول: إنها مفصولة وي، كما يقوله المتندم، يقولون تقول: وي، ثم تبتدئ تقول: كأن على اختلاف بين النحاة في الكاف هذه، وبعضهم يقول: إن الكاف هذه للتعليل دخلت على أن، وبعضهم يقول: هي كلمة تقرير، ويكأن، كلمة كما يقوله الفراء كما تقول: أما ترى صنع الله هذا؟، مثل من يقول: ألم ترَ؟ بمعنى ألم تعلم؟، وبعضهم يقول: هي كلمة تنبيه بمنزلة ألا وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ ألا إن الله يبسط الرزق، وبعضهم يقول: أصلها ويلك فأسقطت اللام ويكأن، وبعضهم يقول: معناها أعلمُ أن الله، وبعضهم يقول: هي بلغة حمير بمعنى رحمة وهذا بعيد، وإن قال به إمام كابن قتيبة، وبعضهم يقول: هي كلمة تفجع، كما يقول الكسائي: تدل على التفجع، وابن جرير يقول: هي بمعنى ألم تعلم؟ والجوهري يقول: هي كلمة تعجب وي كأن، كأنها - والله أعلم - إلى التعجب أقرب، وي كأن، تدخل على كأن الخفيفة والثقيلة، كأنْ وكأنّ، ولا زال الناس يقولون: وي في حالة التعجب.

  1. رواه أحمد في المسند، برقم (3672)، وقال محققوه: إسناده ضعيف لضعف الصباح بن محمد، وهو ابن أبي حازم البجلي، قال العقيلي: في حديثه وهم، ويرفع الموقوف، وضعفه الحافظ في "التقريب"، وقال الذهبي في الميزان (2/306) رفع حديثين هما من قول عبد الله. قلنا: هما هذا والذي قبله، فالصحيح أنه موقوف، كما ذكر الدارقطني، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبان بن إسحاق، فقد أخرج له الترمذي، وهو ثقة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2714).