وقد روى أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رءوساً منصوبةً على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النار، شرّ قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إلى آخر الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله ﷺ، قال: لو لم أسمعه إلا مرةً، أو مرتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً.. حتى عدَّ سبعاً ما حدثتكموه، ثم قال: هذا حديث حسن، ورواه ابن ماجه، وأخرجه أحمد في مسنده بنحوه"[1].
هذا حديث مرفوع أطلق فيه هذا الوصف، وحمل فيه الآية يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ على الخوارج، ويقول: سمعته من رسول الله ﷺ وإن كان هذا ليس بقاطع، بمعنى أنه قد يكون الذي سمعه من رسول الله ﷺ هو أنهم كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ، يعني قد لا يكون سمع الآية تقرأ في هذا المقام من رسول الله ﷺ، ولكن الظاهر أنه سمع ذلك جميعاً من النبي ﷺ، فحملُها على أهل البدع، وأنهم يدخلون في هذا يكون بحسبه، أي يكون فيهم من هذا السواد بحسب ما عندهم من البدع، فأصحاب البدع المكفرة لهم السواد التام، ومن كان دونهم فله من السواد بحسبه، والله يقول: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ [سورة الزمر:60]، وقال: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [سورة عبس:40-42]، وهكذا في قوله: وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة يونس:27].
- أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب تفسير سورة البقرة (3000) (ج 5 / ص 226) وابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم - باب في ذكر الخوارج (176) (ج 1 / ص 62) وأحمد (22262) (ج 5 / ص 256) وحسنه الألباني في المشكاة برقم (3554).