السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْا۟ أَجْرٌ عَظِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [سورة آل عمران:172] هذا كان يوم حمراء الأسد، وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كرُّوا راجعين إلى بلادهم، فلما استمروا في سيرهم تندموا لم لا تمموا على أهل المدينة، وجعلوها الفيصلة، فلما بلغ ذلك رسول الله ﷺ ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم، وليريهم أن بهم قوة وجلداً، ولم يأذن لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبد الله - ا - لما سنذكره.
فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله ولرسوله ﷺ.
روى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا، فسمع رسول الله ﷺ بذلك فندب المسلمين، فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عيينة -ا لشك من سفيان -".

قوله: "فندب المسلمين فانتدبوا" يعني حثهم على الخروج فخرجوا.
"فقال المشركون: نرجع من قابل، فرجع رسول الله ﷺ فكانت تعد غزوة، فأنزل الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [سورة آل عمران:172].
وروى البخاري عن عائشة - ا -: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ الآية، قلت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير، وأبو بكر - ا - لما أصاب النبي ﷺ ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون؛ خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في إثرهم؟".

قالت: "يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير، وأبو بكر" عروة بن الزبير أبوه الزبير، وجده أبو بكر الصديق لأمِّه، فأمه هي أسماء بنت أبي بكر، فهي أرادت إخباره أن أباه، وجده من أمه كانا من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
"فانتُدب منهم سبعون رجلاً فيهم أبو بكر، والزبير - ا - هكذا رواه البخاري منفرداً بهذا السياق[1]".
  1. أخرجه البخاري في كتاب المغازي - باب: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ [سورة آل عمران:172] (3849) (ج 4 / ص 1497).

مرات الإستماع: 0

"الَّذِينَ اسْتَجابُوا [آل عمران:172] صفةٌ للمؤمنين، أو مبتدأ، وخبره لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا [آل عمران:172] الآية، ونزلت في الذين خرجوا مع رسول الله ﷺ في اتباع المشركين بعد غزوة أحد، فبلغ بهم إلى (حمراء الأسد) وهي على ثمانية أميالٍ من المدينة، وأقام بها ثلاثة أيام، وكانوا قد أصابتهم جراحاتٌ، وشدائد، فتجلدوا، وخرجوا، فمدحهم الله بذلك[1]".

يقول: الَّذِينَ اسْتَجابُوا "صفةٌ للمؤمنين" ويكون سياق الكلام هكذا: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا [آل عمران:171، 172] صفة للمؤمنين، يقول: "أو مبتدأ" يعني استئناف، جملة جديدة وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ثم استأنف في كلامٍ جديد، قال: الَّذِينَ اسْتَجابُوا فهذا مبتدأ، وخبره: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ فهذا يحتمل، وكذلك الأول.

يقول: "نزلت في الذين خرجوا مع رسول الله ﷺ في اتباع المشركين بعد غزوة أحد، فبلغ بهم إلى (حمراء الأسد) وهي على ثمانية أميالٍ من المدينة" وبعضهم يقول: على عشرة أميال "وأقام بها ثلاثة أيام، وكانوا قد أصابتهم جراحاتٌ" إلى آخره، "فمدحهم الله بذلك".

وجاء عن ابن عباس - ا - قال: "لما انصرف المشركون عن أُحُد، وبلغوا الروحاء، قالوا: لا مُحمدًا قتلتموه، ولا الكواعب أردفتم" والكاعب يعني المرأة التي قد تكعّب ثديها، ويعني شواب النساء "بئسما صنعتم، ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فندب الناس، فانتدبوا، حتى بلغوا حمراء الأسد، أو بئر أبي عنبة".

هكذا بئر أبي عنبة؟

لأنه في بعض المصادر قد تجدون غير ذلك، في بعضها ضبطه: عُيينة، أو غير ذلك من التصحيف كثير.

"بئر أبي عنبة، فأنزل الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا وهذا رواه النسائي في السُنن الكُبرى[2] والطبراني في الكبير[3] وإسناده لا يخلو من ضعف، وصححه بعضهم، لكن السياق يدل على هذا؛ لأن قوله: مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ يعني: الجراح، وهذا كان بعد غزوة أُحُد، فظاهر أنه في الذين خرجوا مع رسول الله ﷺ إلى حمراء الأسد.

وجاء عن عائشة - ا - أنها قالت لعروة بن الزُبير عن قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا: "يا ابن أختي كان أبواك منهم" يعني الزُبير، وأبي بكر، قال: "لما أصاب رسول الله ﷺ ما أصابه يوم أُحُد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال: من يذهب في إثرهم؟ وانتدب منهم سبعون رجلًا قال: كان فيهم أبو بكر، والزُبير"[4] وهذا مُخرّج في الصحيحين عن عائشة - ا - فهذا لا شك في ثبوته، وإن كان الأول فيه ضعف، لكن هذا يشهد له، وسياق الآيات في هذا أنه بعد أُحُد، عند ما خرجوا إلى حمراء الأسد.

طبعًا بالنسبة "بلغوا حمراء الأسد، أو بئر أبي عنبة" ففرق بين حمراء الأسد، وبئر أبي عنبة، حمراء الأسد تبعد نحو عشرة أميال عن المدينة، وبئر أبي عنبة تبعد نحو ميل عن المدينة، فأنزل الله: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا يعني يمكن أن يحتمل هذا - لو صُححت الرواية - أنها نزلت حينما كانوا في الطريق، فبلغوا بئر أبي عنبة قبل، وصولهم إلى حمراء الأسد، والآن حتى حمراء الأسد أظنها الآن صارت من ضمن أحياء المدينة، فبعض الأحياء وصلت إلى حمراء الأسد الآن.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/242).
  2.  أخرجه النسائي في التفسير، برقم: (11017).
  3.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/247 - 11632).
  4.  أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب الذين استجابوا لله والرسول [آل عمران:172] برقم: (4077) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة، والزبير - ا - برقم: (2418) واللفظ للبخاري.