الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ ۗ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [سورة آل عمران:183].
يقول تعالى تكذيباً أيضاً لهؤلاء الذين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم أن لا يؤمنوا برسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدَّق بصدقة من أمته فقبلت منه أن تنزل نار من السماء تأكلها، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما.
قال الله : قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ [سورة آل عمران:183] أي: بالحجج، والبراهين وَبِالَّذِي قُلْتُمْ أي: بنار تأكل القرابين المتقبلة، فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ أي: فلم قابلتموهم بالتكذيب، والمخالفة، والمعاندة، وقتلتموهم إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أنكم تتبعون الحق، وتنقادون للرسل".

مرات الإستماع: 0

"الَّذِينَ قالُوا [آل عمران:183] صفةٌ للذين، وليس صفةً للعبيد."

يعني في قوله: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ۝ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ۝ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمران:181 - 183] يقول: الَّذِينَ قالُوا صفةٌ للذين، وليس صفةً للعبيد، يعني ليس ذلك مُتعلقًا بما قبله من قوله: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ۝ ​​​​​الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا هذا ليس مرادًا الَّذِينَ قالُوا ليس بصفةٍ للعبيد قطعًا.

يقول: صفة للذين، المراد بـــ الَّذِينَ في قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ اليهود سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ۝ ​​​​​​​ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

ثم ذكر صفةً أخرى لهم - يعني غير ما سبق - من قولهم: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ قال: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ هذا من قول اليهود، فهو صفة للذين في قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ.

"حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ [آل عمران:183] كانوا إذا أرادوا أن يعرفوا قبول الله لصدقةٍ، أو غيرها جعلوه في مكانٍ، فتنزل نارٌ من السماء، فتحرقه، وإن لم تنزل فليس بمقبول، فزعموا أن الله جعل لهم ذلك علامةً على صدق الرسل."

أصل القُربان ما يُتقرّب به من ذبحٍ، أو غيره، هذا أصل القربان، لكن المقصود هنا حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ قربان خاص له علامة، وهو ما ذُكر: تَأْكُلُهُ النَّارُ فيُعرف أن ذلك علامة، ودليل على صدقه، فطالبوا بهذه الآية، طبعًا هم ما طلبوا أن يكون هذا لكل أحد من الناس أن يُعرف قبول الصدقة بنزول هذه النار على القرابين، ونحو ذلك، وإنما أرادوا أن يكون ذلك دليلًا على صدق دعوى النبوة.

"قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ [آل عمران:183] الآية رد ٌعليهم بأن الرسل قد جاءتهم - وفي النسخة الخطية: جاؤوهم - بمعجزاتٍ توجب الإيمان بهم، وجاؤوهم أيضا بالقربان الذي تأكله النار، ومع ذلك كذّبوهم، وقتلوهم، فذلك يدل عل أن كفرهم عنادٌ، فإنهم كذبوا في قولهم: إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِليْنَا."

يعني أن هذه الآية التي طلبوها قد أُوجد مثلها من قبل، وحصل التكذيب، الله يقول: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً مُبْصِرَةً: يعني آية مُبصرة، واضحة لا خفاء فيها، لكن كانت النتيجة فَظَلَمُوا بِهَا [الإسراء:59] فهؤلاء الذين يتخيّرون الآيات، والبراهين الدالّة على صدق نبيّهم، ويُحددونها، يُطالبون بها، ليس ذلك يعني أنه لم يأتِ بآية، هو جاءهم بآيات، لكن هم قصدوا الآيات التي يقترحونها، فالله - تبارك، وتعالى - أخبر أن من عادة هؤلاء المُكذّبين أن حصول هذه الآيات لا يحملهم على الإيمان، والتصديق، والإذعان، والإقرار بما جاء به رسولهم، هكذا كانوا، وعندئذٍ تنزل بهم العقوبة.