الثلاثاء 24 / صفر / 1447 - 19 / أغسطس 2025
لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وهكذا لما ذكر حال الكفار في الدنيا، وذكر مآلهم إلى النار قال بعده: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ [سورة آل عمران:198] أي: ضيافة من عند الله وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ [سورة آل عمران:198].
وروى ابن جرير عن أبي الدرداء أنه كان يقول: "ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له، ومن لم يصدقني فإن الله يقول: وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ [سورة آل عمران:198] ويقول: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [سورة آل عمران:178][1]".

قول أبي الدرداء هذا يخالفه حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - لما سئل عن خير الناس فقال: من طال عمره، وحسن عمله[2]، وقوله أيضاً: لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب[3] أي لعله أن يتوب، ويراجع، أما إن مات ولم يتب بعد طول العمر فلا شك أن هذا أكثر لذنوبه، وجرائمه، وأشد لحسابه.
وفي قوله: وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ [سورة آل عمران:198] هذا جاء موضحاً في كتاب الله في آيات كثيرة كقوله: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [سورة المطففين:22] وكقوله: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [سورة الإنسان:5] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على نعيمهم، وما أعطاهم الله ، وحباهم به.
وقوله: نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ [سورة آل عمران:198] يقال فيه كما قيل في قوله: ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ [سورة آل عمران:195] أي أن النُّزل مصدر مؤكد، والنزل في الأصل هو المكان المهيأ المعدُّ للضيف.
  1. تفسير الطبري (ج 7 / ص 496).
  2. أخرجه الترمذي في كتاب الزهد - باب ما جاء في طول العمر للمؤمن (2329) (ج 4 / ص 565) وأحمد (17716) (ج 4 / ص 188) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2329).
  3. أخرجه البخاري في كتاب المرضى - باب نهي تمني المريض الموت (5349) (ج 5 / ص 2147).

مرات الإستماع: 0

"نُزُلًا [آل عمران:198] منصوبٌ على الحال من جَنَّاتٌ أو على المصدرية."

نُزُلًا يعني: منصوبٌ على الحال من جَنَّاتٌ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا جنات نُزُل، يعني ثوابًا، ورزقًا، فالنُزُل معروف، هو ما يُعد للنازل، أو الضيف من الزاد، ونحو ذلك من القِرَى، يعني الضيافة نُزُلًا ضيافةً، قال: نُزُلًا منصوبٌ على الحال، يعني حال كونه نُزُلًا من جَنَّاتٌ أو على المصدرية.

"لِلْأَبْرارِ [آل عمران:198] جمع بارّ، وبرّ - وفي النسخة الخطية: جمع بارٍّ، أو برٍّ - ومعناه العاملون بالبرّ، وهي غاية التقوى، والعمل الصالح، قال بعضهم: الأبرار هم الذين لا يؤذون أحدا - وفي النسخة الخطية: هم الذين لا يؤذون الذر -."

هذا ورد عن بعض السلف، لا يؤذون الذر، البر هو الذي لا يؤذي الذر، يعني لا يصدر منه أذى لأحد، لا يؤذون الذر، وفي الحديث: ألا أُخبركم بشراركم؟ فذكر المشّاؤون بين الناس بالنميمة، قال: الباغون للبرآء العنت[1] المشقة، والأذى يوصلونه إليهم - للأبرار - كما قال الله تعالى -: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] وقال: إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا [الإنسان:5] وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ الأتقياء الصلحاء الأخيار، أصل هذه اللفظة ما مصى في الغريب أنها تدل على الاتساع، بر الاتساع في الخير، والعمل بطاعة الله لذلك يُقال البَرّ الأرض البراح الواسع يُقال له بَرّ، وإذا أراد الناس أن يُشبّهوا شيئًا في سعته قالوا هذا بر، هذه الدار بر، هذا الفناء بر، هذه المزرعة بر، يقصدون أنها واسعة. 

  1. أخرجه أحمد في المسند، برقم (27599) وقال محققوه: "حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف شهر بن حوشب" وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (1861).