لما ذكر الله -تبارك وتعالى- حال هؤلاء اليهود وما هم فيه من الاغترار، وما صدر عنهم من قولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [آل عمران:24]، وتوعدهم الله، وأكذبهم بهذه الدعوى.
قال بعد ذلك: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، هذا تعليم من الله -تبارك وتعالى- لنبيه ﷺ كيف يقول، وهو تعليم لأمته؛ لأن الخطاب للنبي ﷺ هو خطاب للأمة؛ باعتبار أن الأمة تُخاطب بشخص مقدمها وقدوتها ﷺ.
قُلِ اللَّهُمَّ قل أيها النبي متوجهًا إلى الله -تبارك وتعالى- بالثناء والدعاء والحمد: يا من له الملك كله أنت الذي تهب الملك لمن تشاء، تُمكن لمن تشاء، وأنت الذي تنزع الملك فيُسلب ذلك الذي وهب الملك ملكه، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وأنت الذي تهب العزة في الدنيا والآخرة لمن تشاء، وأنت الذي تُذل في الدنيا والآخرة من تشاء.
بِيَدِكَ الْخَيْرُ فكل خير هو في خزائنه -تبارك وتعالى-.
إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يمتنع عليك شيء ولا يتعاصى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
يؤخذ من هذه الآية من الفوائد: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ هذا أمر للنبي ﷺ، وذلك يدل على أن النبي ﷺ عبد مأمور أرسله الله -تبارك وتعالى- ليُبلغ عنه، فالله يأمره: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ فالنبي ﷺ مُبلغ عن الله.
وفي قوله -تبارك وتعالى-: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ في ضمنه تعليم للنبي ﷺ ولأمته أيضًا التسليم الكامل لله ، والتفويض الذي يُثمر الثقة والتوكل على الله وتقدست أسمائه.
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ هذه هي أعلى ما يمكن من التمكن عند أهل الدنيا هو الملك، فالملك في تفسيره وحقيقته هو التصرف المُطلق، يعني: بمعنى أنه يتصرف من غير أمر أو نهي وإنما هذا في أصله، فالله له الملك الحقيقي، وله الملك في الدنيا والآخرة، ولهذا خص يوم الدين في قوله: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]؛ لأن من ملك يوم الدين وهو اليوم الذي لا نهاية ولا انقضاء للآخرة بخلاف الدنيا فهي تنقضي سريعًا، الآخرة باقية فإذا ملك الباقي فهو أملك لما دونه، وإذا ملك ذلك اليوم العظيم الذي تعظم فيه الأهوال والأوجال فهو لما دونه أملك، وهو الذي يملك ذلك اليوم الذي لا يدعي فيه أحد الملك البتة: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16]، لا أحد يجرؤ أن يقول: أنا ليّ الملك، فيكون الجواب: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، له وحده دون ما سواه، فهذا هو الملك العظيم، الملك الحقيقي، فهنا تعليم من الله -تبارك وتعالى- يُثمر ثقة وتوكلاً بالمعبود كأنه يقول للنبي ﷺ لك سند ولك قوة عظيمة تركن إليها، وفي ذلك إشعار -والله أعلم- بما يكون إليه أمر هذه الأمة من السيادة والسنى والملك، فإذا كان الملك كله لله وهم أولياءه وهذا رسوله فإن ربنا -تبارك وتعالى- وعد بنصر نبيه وأتباعه وأنه ولي لهم، فإذن هذه الهبات العظيمة ستكون لهم، وأن العاقبة والتمكين والقوة سيكون لهم؛ لأن ذلك عند الله، ولن يكون ذلك إحسانًا أو عطية من أحد من أهل الأرض، لن يعطيهم ذلك ملك بني الأصفر -الروم-، ولن يُعطيهم الملك ملك فارس، وهما أعظم الملوك في ذلك الزمان.
كذلك أيضًا: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ الحديث عن اليهود قبلها، وهؤلاء اليهود قد حسدوا النبي ﷺ وهذه الأمة على تحول الكتاب والنبوة فيهم، موسى يُذكّر قومه: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:20]، لكنهم لم يكونوا بتلك المنزلة فاستحقوا الإبعاد واللعن والطرد، قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32]، وهم هذه الأمة بطبقاتها الثلاث: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]، فهذا أوقع حسدًا في نفوس هؤلاء اليهود، زال عنهم النبوة، ومن ثَم زال عنهم التمكين والقوة والملك فصاروا بحال كما قص الله -تبارك وتعالى- وكما حكم: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا [الأعراف:168].
وما كتب الله عليهم من الذل والصغار وما وعد بأن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، فهم صاروا من العز والتمكين والقوة والنبوة والقُرب إلى حال من البُعد والذل والمهانة، فهنا كأن ذلك أيضًا يُشير إلى هذا المعنى، هؤلاء الذين يجادلون ويأبون الحق ويُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم بعد ذلك وهم معرضون بدعاوى باطلة، وغرور، يقولون: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودات، يفترون الفِرى الكبار، وأنهم أولياء الله وأحباؤه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وفيه أيضًا تسلية للنبي ﷺ فهؤلاء اليهود يؤذونه ويُحاربونه ويُحاربون أتباعه، فهنا كأنه يقول: الأمر كله لله.
وفي هذا توجيه لأهل الإيمان باللجأ إلى الله -تبارك وتعالى-، وطلب التمكين منه، وتفويض الأمور إليه، والتوكل عليه باعتبار أنه الذي يملك الملك؛ فيهب الملك لمن شاء من عباده، وينزع الملك ممن شاء، لا حسيب عليه، ولا رقيب، ولا مُعقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وقال حينما أهلك قوم صالح ثمود: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ، هذا التعقيب، وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:14-15]، يعني: قد يفعل الإنسان ينتقم من ظالم قد يبطش بمفسد لكنه يخاف العواقب، ما هي ردود الأفعال، الانتقام، هنا: وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:15]، فذلك لكمال قوته، ومن الخلق! فإذا كان ربنا -تبارك وتعالى- بهذه القوة والملك العظيم بحيث أنه يهب لمن يشاء وينزع من يشاء الملك فما دونه، فهذا الذي ينبغي أن تُطلب القوة والتمكين منه، ولا يُتلفت إلى غيره، الأمة تتوجه إلى الله حينما تُريد أن يُمكن لها، وذلك أيضًا يرفع الخوف من نفوس المؤمنين فلا يخافون أعداء الله مهما كان ومهما عظم سلطانهم، فالملك بيد الله ينزعه ممن شاء، ولذلك تجد مصداق هذا ظاهرًا في التاريخ الطويل، فذهب مُلك كسرى على عِظمه، وانتثله هؤلاء الأعراب الذين كانوا يُقال لهم: ذباب الصحراء، لم يكونوا أعرابً؛ لكن هكذا ينظرون إليهم ذباب الصحراء، وجاءوا إلى المدينة بتاج كسرى وسواريه، وأملاك عظيمة من الذهب والفضة، ووضعت في مسجد رسول الله ﷺ.
وهكذا عبر التاريخ قبل ذلك وبعده كثير، وفي عصرنا الحاضر شاهد الناس من هذا عبرًا وعظات، يُصبح الرجل ذا سلطان ثم يُمسي وقد سُلب ملكه وسُلطانه، وتجد الرجل يُمسي ذا سلطان ويُصبح وقد سُلب ذلك فيصير إلى حال قد لا يتمناها أضعف رعيته وأفقر رعيته، لو قيل له لأضعف هؤلاء الرعية: تريد أن تكون مكانه الآن؟ لقال: لا في لحظة، فالملك الحقيقي لله ، وهذا إذا كان في الملك فكيف بسائر الولايات التي هي دون الملك، ومن هنا فلا يمكن للإنسان أن يغتر إذا صارت له ولاية، ثم بعد ذلك يتخذ ذلك ذريعة لظلم الناس وتضييع حقوقهم، أو التعالي عليهم، أو نحو هذا فهذا كله بيد الله، فتجد هذا الرجل الذي كان سيدًا مُطاعًا أو رئيسًا أو وزيرًا أو نحو ذلك بلحظة يكون إلى حال من الذل والمهانة بلحظة واحدة، وما عادت الأمور كما كانت قديمًا لربما لا يتسامع بها إلا بعض الناس، وإنما بلحظة يسمع بذلك من بأقطارها، ولهذا كان بعض العقلاء ممن ذكرهم التاريخ مع ما كانوا فيها من المؤهلات لربما عُرض على بعضهم شيء من الولايات فكان يعتذر، فلما سُأل عن هذا ذكر أن مشهد العزل حجبه ومنعه من الفرح بالتقليد، تقليد الولاية، يعني يتذكر المشهد الآخر فيما بعد العزل حينما يُعزل عن هذه الولاية.
فهذه كلها ينبغي أن تُسخر -كل هذه الولايات الصغار والكبار- فيما يُرضي الله -تبارك وتعالى- وينفع الخلق، لو الدهر قُلب، والعقل لا ينظر إلى اللحظة التي يعيشها وإنما ينظر إلى ما وراء ذلك، تقلب الزمان بأهله، ويتعظ ويعتبر بغيره ويخاف، ويكون كالذي في لُجة البحر والأمواج تحيط به من كل جانب، ويقول: اللهم سلم، اللهم سلم، ولا يمكن أن يغفل وينسى ويسهوا عن مثل هذا، ولكن كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله- بأن الولاية لها سكرة أعظم من سكرة الخمر، فتجد الرجل لربما تنكر لأصحابه، ورفقاءه، وتغيرت حاله عليهم تمامًا فيعجبون، -يعني حينما حصلت له ولاية-، ولو أنه سكر شرب المُسكر فتغيرت حاله عليهم لم يعجبوا، والواقع أن السُكر الحاصل مع الولاية أعظم من ما يكون من شُرب المُسكر إلا من رحم الله -تبارك وتعالى- وهدى، ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لصالح الأعمال والأخلاق.
وقوله -تبارك وتعالى-: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ "الملك" فـ "ال" هذه يمكن أن تكون للاستغراق، كل الملك هو مالكه هو الذي يملكه، فإذا كان هو الذي يملكه النتيجة مذكورة بعده: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ولاحظ أنه عبر هنا بالإيتاء ما قال تُملك الملك؛ لأن المسألة إيتاء وهو شيء مؤقت وملك الله -تبارك وتعالى- مُطلق ولم يُسبق بفقد، ولا يلحقه فقد، يعني للملك، أما ملك المخلوق فهو مسبوق بفقد، ويعقبه فقد ولا محاله، إن بقي على ملكه إلى الوفاة فإن الموت يكون سلبًا لملكه، ثم أيضًا هذا الملك للمخلوقين يعتوره ما يعتوره من النقص كما لا يخفى، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه "العبودية" بأن الإنسان قد يكون ملكًا في الظاهر ولكنه عبد في الباطن لمن لا يقوم ملكه إلا بهم، يعني من الأتباع والأعوان ونحو ذلك، ولهذا في أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ [البقرة:255]، يعني: أن ذلك من أملاكه -تبارك وتعالى-، لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، فقوله: مَنْ ذَا الَّذِي هنا الاستفهام بمعنى النفي، يعني لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، ما معنى هذا؟ لكمال غناه ولكمال ملكه، ولهذا العلماء يقولون في هذا الموضع: المخلوق من ملوك الدنيا، يأتي الناس يشفعون عنده من غير إذن، قد يقبل هذه الشفاعة، وقد لا يقبل، لكن الله لكمال الغنى وكمال الملك لا أحد يجترئ على الشفاعة إلا بإذنه، يأذن للشافع، ويرضى عن المشفوع، ويأذن بالشفاعة ثلاثة أشياء؛ لكمال الغنى والملك بينما أهل الدنيا يشفعون عنده من غير إذن، ثم كما قال شيخ الإسلام: "قد يقبل هذه الشفاعة وإن كان لا يُريد" لماذا؟ إما لأن هذا الشافع لا يقوم ملكه إلا به، أو خوفًا من غوائله، يعني يخاف أن ينقم عليه الشافع فيقبل شفاعته خوفًا من غوائله، أو لحاجته إليه أو نحو ذلك، هذا كله يرجع إلى معنى واحد وهو الفقر أن المخلوق فقير مهما كان، مهما علا شأنه الإنسان له فقر ذاتي لا يمكن مهما كبُرت دعواه وقال: إنه غني، الواقع أنه فقير غاية الفقر، ولو نظر الإنسان إلى نفسه في حال المرض، أو التعب، أو مغالبة النوم والنُعاس مشهد يتكرر في كل يوم، هذا الإنسان الذي في غاية النشاط إذا رأيته وهو في حال من مغالبة النوم رأيت مشهدًا من مشاهد الضعف البشري، فالله لا تأخذه سنة ولا نوم، دعك من الأمراض وغيرها، ولهذا قال ابن جرير في قوله: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ أن ذلك بمعنى أنه "لا تحله الآفات، ولا تناله العاهات" يعني: نفي السِنة والنوم ليس بمجرده فقط فإذا نفى السِنة والنوم معناه أنها لا ترد عليه علة أصلاً، لكن الإنسان في لحظة عِرق يتجمد أقل من الثانية يذهب في خبر كان، مع القوة والفتوة والعضلات والتمارين اليومية، والمشي خمسة كيلو مترات كل يوم ويفتخر بهذا بلحظة يسقط كأنه خرقة، هذا إذا ما مات أو فقد الإحساس تمامًا ودخل في إغماءة طويلة غيبوبة، يرثي له أضعف الناس.
هذا هو الإنسان، لو أصابته شوكة، لو كدمة، لو لفحه الهواء، لرأيته في حال من الاعتلال والضعف الهواء يؤذيه، والشمس تؤذيه، والبرد يؤذيه، يأكل الأكلة فيمرض، ويشرب الشربة فيمرض، وإن حُرم الأكل والشُرب مات، هذا هو الإنسان الضعيف المسكين، ولذلك هذا الذي ادعى الإلهية والربوبية فرعون غرق في الماء، وألقاه البحر على الساحل ليراه الناس ويتأكدوا هذا الذي يدعي الإلهية، قد يقولون ما مات هذا لا يموت، هذا هو، كأني أراه مُلقًا قد انطرح على وجهه وتجرد من ثيابه، كأنه قشة ويدعي الإلهية والربوبية: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38].
هكذا الإنسان: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، حينما يُصيبه أدنى الأشياء فإنه يُدرك ضعفه فيلجأ إلى ربه -تبارك وتعالى- مُتضرعًا سائلاً مُخبتًا فإذا كُشف عنه ذلك الضُر رجع إلى عنتريته ونسي ما كان يدعوا إليه من قبل، هذه طبيعة في الإنسان إلا من رحم الله -تبارك وتعالى-.
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
وقد ذكرنا في الدرس الماضي طرفًا من الفوائد والهدايات المُستخرجة منها، ومن هذه المعاني والهدايات أن في قوله -تبارك وتعالى-: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ "مالك الملك" فذكرنا بأن الملك "ال" الداخلة عليه للاستغراق والعموم فهو يملك الملك كله، الملك لله، وأن ما يُعطاه العباد أو بعض العباد من ذلك إنما هو بوهب الله -تبارك وتعالى- لمن شاء، وأن هذا مُلك مؤقت، وهو مُلك محدود كما ذكرنا أنه مسبوق بفقد، ويتبعه فقد، وما بين ذلك فيه ما فيه من النقص، أما مُلك الله -تبارك وتعالى- فهو الملك الكامل من كل وجه، له الملك في الدنيا والآخرة.
وفي قول -تبارك وتعالى-: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، هذا أبلغ مما لو قال تؤتي الملك بعض خلقك، وتُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ يدل على أن له المشيئة المُطلقة .
وأيضًا في تقديم الإيتاء على النزع: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، فيه ما يتصل بتقديم المحبوب على المكروه، وذلك أن الإيتاء أمر مرغوب فيه بخلاف النزع، فقدم ما فيه الرغبة على ما فيه الرهبة، كما هو الغالب في القرآن، ثم أيضًا الجمع بينهما: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ يدل على كمال القدرة، فقد يستطيع الإنسان أن يوصل إلى غيره نفعًا ولكنه لا يستطيع أن ينتزع منه نعمة، أما الله -تبارك وتعالى- فله الأمر كله، يؤتي الملك من شاء من عباده، وينزع الملك ممن شاء، فجمعت هذه الآية بين الترغيب والترهيب، ودلت على كمال القدرة وأن الأمر بيد الله -تبارك وتعالى-، وهذا فيه من التوحيد الاعتماد على الله ، وأنه لا قيام للناس ولا يتحقق شيء من مصالحهم ومطالبهم إلا بإقامة الله -تبارك وتعالى- لهم، وعونه، وتوفيقه، وإرادته، ومشيئته، فمن رام الفلاح فعليه أن يتسبب في طلب مرضاته -تبارك وتعالى- وأن يجعل الذي بينه وبين الله عامرا ولو سخط الخلق، من أراد القوة ومن أراد التمكين ومن أراد أن تتحقق مطامحه وآماله ومطالبه فعليه أن يتوجه إليه ويبحث عن مرضاته ومحابه فيتبع ذلك، وينظر في مساخطه، وموجبات غضبه فيجتنب ذلك، هذا هو الطريق، فينبغي أن يكون ذلك حاضرًا في الأذهان، وفي سعي الناس وفي عملهم ونظرهم وآمالهم ونحو ذلك، فيكون العمل على هذا أولاً ماذا يريد الله؟ وماذا يُحب؟ كيف ننصره من أجل أن ينصرنا؟ وإلا فمهما أوتي الخلق من القُدرات والإمكانات والأموال والخبرات فلا يمكن أن يتوصلوا إلى تحقيق مطالبهم بعيدًا عن إرادة الله ، فالله الأمر كله بيده، وهو مالك الملك، ومن ثَم فيحتاج العبد أن يعتصم به، وأن يركن إليه، وأن يثق به، وأن يتوكل عليه، وأن يعمر ما بينه وبين الله .
وفي قوله -تبارك وتعالى-: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ هنا يطمئن المؤمن حينما يرى بعض المحادين لله -تبارك وتعالى- الكافرين قد صار لهم شيء من التمكين فإن ذلك عن علم وحكمة، أن ذلك شاءه الله لغاية وحكمة عظيمة وإن خفيت علينا، فهؤلاء لم يحصل لهم هذا التمكين، والملك الذي قد يكون لبعض الكفار لم يحصل لهم ذلك بعيدًا عن إرادة الله ، وأنهم قد اختطفوا ذلك قهرًا عنه، كلا، فإن الخلق أعجز وأضعف من ذلك، فإذا رأى المؤمن بعض هؤلاء الكفار حصل لهم من التمكين المؤقت فيعلم أن ذلك إنما هو بوهب الله وعطاءه ابتلاء وامتحانًا واختبارًا أو استدراجًا لهم، ثم بعد ذلك يأخذهم، والتاريخ من عهد نوح إلى عصرنا الحاضر مليء بالشواهد، فقوم نوح أخذهم الله بعد تجبرهم وتكبرهم وتعاظمهم على الله، وعتوهم على نبيه .
وهكذا أخذ عادًا وثمودًا وقوم شعيب وقوم إبراهيم وقوم لوط، وهكذا أهلك فرعون وجنوده، فما دفعت عنهم أموالهم، وأجنادهم، وقواهم، وإمكاناتهم، لكن الذين كانوا يعيشون في ذلك الزمان لربما تصوروا أن هؤلاء عندهم من أسباب القوة والتمكين ما يتعاصى على من أراد قهرهم ودحرهم، لكن بالنسبة إلى الله كان ذلك أسهل الأشياء بثلاثة أمور سهلة: الماء، والهواء، والصوت -الصيحة-، ثلاثة أشياء أهلكت أعتى الأمم، قوم نوح بالماء، وفرعون بالماء، وأولئك إما بالريح كما حصل لعاد، أو بصيحة صاح بهم الملك فهلكوا رجفت بهم الأرض، صيحة صوت، الخلق أضعف من أن يتعاظموا ويتجبروا على الله -تبارك وتعالى-، بأضعف الأشياء يهلكهم الماء والهواء والصوت، ما احتاجوا إلى شيء أكبر من ذلك.
وقوم لوط قلب الله ديارهم، يُقال: إن الملك جبريل بطرف جناحه، قلب قرى وليست قرية واحدة، والمؤتفكات أقلّها -حتى قيل: إن الملائكة سمعت صوت كلابهم- ثم قلبها عليهم، جعل عاليها سافلها، وأتبعهم بالحجارة، فهذا بأسه -تبارك وتعالى-.
وهذا الإيتاء: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ عُبر بالإيتاء ولم يقل: تُملك، إنه إيتاء: إعطاء، وهب مؤقت، ثم تؤتي يدل على أن هذا لم يكن بمقدراتهم ومُكتسباتهم، أبدًا، وإنما إيتاء من الله إيتاء: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، فلما ذكر إيتاء الملك ونزع الملك ذكر أيضًا ما يعقب ذلك من الأوصاف ويتبعه غالبًا، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، فقوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ بحيث يكون له من المنعة والرفعة والقوة بحيث لا يُغالب، فالعزة وصف إنما يتحقق من مجموع أوصاف فيكون صاحب ذلك عزيزًا، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ فدل ذلك على أن العزة بيده -تبارك وتعالى-، ولهذا من كان يُريد العزة فينبغي أن يتوجه إليه وحده فلله العزة جميعًا، فله وحده، وأما ما أُضيفت فيه العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فذلك في مقامه وموضعه بحيث إن العزة الحاصلة للنبي ﷺ وللمؤمنين إنما هي بإعزاز الله لهم.
وأما العزة بالنظر إلى من يملكها فهي لله وحده، ولكن من يوصف بالعزة فإن المخلوق قد يوصف بذلك بأنه عزيز، وقد يُسمى بهذا: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51]، وكما جاء في الحديث: عزيز عارم، منيع في رهطه، وصفه بهذا "عزيز" وفي قول ملكة سبأ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً [النمل:34]، فالخلق قد يكون لهم شيء من العزة؛ ولكن هذه العزة إنما هي من الله، ما يكون لأهل الإيمان فهذه العزة المحمودة، فهذه تكون من الله، وبحسب ما يكون عليه العبد من الطاعة والإيمان واليقين والتقوى والصلة بالله -تبارك وتعالى- يكون له من العزة، ولو لم يكن عنده كثير مال ولا أتباع ولا جنود ولا أعوان يكون عزيزًا، ولهذا تجدون في تراجم كثير من السلف وأهل العلم من وصفوا بهذا، فكان بعض هؤلاء إذا دخل على أحد من الخلفاء ونحو ذلك ظهر أثر ذلك عليه، يعني على المدخول عليه حينما يراه، فهذه تكون بوهب الله وإعزازه لأوليائه؛ ولهذا قال: وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] والحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فبقدر الإيمان تكون العزة.
أما العزة التي قد تكون للكافرين فهذه عزة لا حقيقة لها، بل إن الذل يغشاهم، وكيف لا يغشاهم وهم يتمرغون في الكفر ووحل المعصية، فهذا لا يمكن أن يكون صاحبه عزيزًا ولو كان في الظاهر كذلك، والآيات والنصوص تدل على هذا المعنى دلالة واضحة، أبى الله إلا أن يُذل من عصاه.
فقوله: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ يدل على كمال غناه، وكمال ملكه، وكمال عظمته، وكمال سلطانه، وأن ذلك جميعًا عنده، كذلك أيضًا حينما عطف هذا على ما قبلها: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ دل على أنه لا مُلازمة بين الملك والعزة، فكما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "أنه قد يكون في الظاهر ملكًا مطاعًا، وفي الباطن عبدًا مُطيعًا لمن لا يقوم ملكه إلا به" بمعنى ليس من حصل له ملك أنه يكون عزيزًا، ولذلك تعرفون في التاريخ أن من الممالك من لم يجدوا إلا امرأة فملكوها، ما وجدوا إلا إحدى البنات.
وفي بعض الحالات كان الذي يورث الخلافة لربما في المهد، وبعضهم لم يبلغ السابعة، وبعضهم جاوزها بقليل، ومن الذي يقوم على ذلك ويُدبر شؤون الملك هو وصيه، فهذا في الظاهر أنه خليفة، ولكنه في الواقع مقهور مأمور، وذلك لمن يُديره ويُدبره فلا مُلازمة بين العز والملك، وهذا معروف في أوقات الضعف، اقرءوا في تاريخ الدولة العباسية -مثلاً في أواخرها- تجد أن بعض هؤلاء الخلفاء لربما الذين يُدبرونهم هم النساء والخدم، كبار الخدم هم الذين يُدبرون شؤون الدولة، فيعزلون من شاءوا ويُنصبون من شاءوا، ونحو ذلك، فتضطرب الأحوال، والخليفة في حال من الضعف والمهانة لا يستطيع أن يرد، وحينما يبدوا منه شيء من التمنع لربما قتل، وقد قتل عدد من الخلفاء بيد هؤلاء الأعوان، هذا حصل في الدولة العباسية.
وخبر المُقتدر، وكذلك أيضًا في الدولة العثمانية كان الواحد من هؤلاء يُقتل ولربما بطرق عجيبة.
فهنا: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ هذا يدل على أن العزة مِلك لله؛ فينبغي أن يتوجه إليه في طلبها، هذه العزة لا تتحقق بمجرد سعي الإنسان إليها بالأخذ بأسباب القوة مثلاً، وإنما تكون بقوة الصلة بمالك العزة، فالله يُعز أوليائه.
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، فكأن هذا تعليم من الله -تبارك وتعالى- بالثناء عليه بمثل هذا الثناء؛ لأجل تحصيل هذه المطالب التي في مضامين هذه الآية الكريمة، يعني: من سؤال العزة والخير؛ لأن الخير بيد الله -تبارك وتعالى-.
وقوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ فيه إثبات صفة اليد لله -تبارك وتعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته.
وكذلك أيضًا "ال" الداخلة على الخير: بِيَدِكَ الْخَيْرُ فهذا للعموم، كل الخير بيده، فالخير يُضاف إلى الله -تبارك وتعالى-، أفعاله كلها خير، وأوصافه كلها خير، والشر ليس إليه مع أن الله -تبارك وتعالى- خالق الخير والشر ولكن الشر في مفعولاته وليس في أفعاله، فأفعاله كلها خير وحكمة، يعني: مثلاً نزول المطر خير لكن قد يُتلف بعض الزروع لبعض الناس، وقد يغرق بعض الناس، وقد تتهدم دور بعض الناس، وقد تتعطل مصالح بعض الناس، وقد يُفسد ذلك معايش بعض الناس وتجارة بعض الناس، ونحو هذا، فهو بالنسبة إليهم شر، لكن عموم نزول المطر لا شك أنه خير، فتقدير الله وفعله خير، ولهذا كان من الأدب أن لا يُضاف ذلك إليه كما ذكرنا في أمثلة: وَإِذَا مَرِضْتُ فأضاف المرض إلى نفسه، فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، فأضاف الشفاء إلى الله.
وقوله: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79]، فأضاف العيب إلى نفسه يعني الخضر، ولما ذكر بناء الجدار: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ [الكهف:82]، ما قال: فأردت فأضاف ذلك إلى الله -تبارك وتعالى-.
وهكذا في قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، بينما في الإنعام: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، ما قال: المُنعم عليهم، فأضاف الإنعام صراحة إليه مع أنه هو الذي غضب أيضًا على هؤلاء اليهود، فالشر ليس إليه يعني وصفًا وفعلاً وإن كان خلقًا له.
وفي قوله -تبارك وتعالى-: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إذا كان الخير كله بيد الله -تبارك وتعالى- فـ"ال" للاستغراق فمن أراد الخير -كل أحد يريد الخير- فعليه أن يتوجه إلى من يملك الخير، والنفع، والضر، فلا يُذلّ الإنسان نفسه لمخلوق من أجل أن يُحصل شيئا من النفع، وإنما النفع كله بيد الله : واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، فالنفع عنده ولا يستطيع أحد أن يحجزه عنك، بِيَدِكَ الْخَيْرُ ومن هنا تكون الرغبة والرهبة إلى الله -تبارك وتعالى- وحده، فمن رام التوفيق فهو عند الله، من رام الفلاح فهو عند الله، من رام الولد الذرية المال الشفاء كل ذلك عند الله .
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هذا تذييل لهذه الآية يُجلي ما تضمنته من هذه المعاني الكبار العظيمة: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تهب الملك لمن تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير.
وكذلك أيضًا التقديم الذي يدل على الحصر: بِيَدِكَ الْخَيْرُ، ما قال الخير بيدك فهذا يدل على أن الخير محصور؛ وذلك أنه بيد الله ليس بيد أحد سواه.
وهكذا: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "إنّك" "إنّ" دخول "إنّ" هذه للتوكيد، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فجاء بأقوى صيغة من صيغ العموم: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وجاء بصيغة المُبالغة "قدير" على وزن فعيل، فقدرته نافذة لا يمكن أن يمتنع عليه شيء .
وتأمل في الألفاظ المكررة في هذه الآية، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ.
وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: مَنْ تَشَاءُ، كل هذا يدل على تفخيم وتعظيم.