واصطفى نوحاً ، وجعله أول رسول إلى أهل الأرض، لمَّا عبد الناس الأوثان، وأشركوا في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً، وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه يدعوهم إلى الله ليلاً، ونهاراً سراً، وجهاراً، فلم يزدهم ذلك إلا فراراً، فدعا عليهم فأغرقهم الله عن آخرهم، ولم ينج منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به، واصطفى آل إبراهيم، ومنهم سيد البشر، وخاتم الأنبياء على الإطلاق محمد ﷺ.
وَآلَ عِمْرَانَ، والمراد بعمران هذا هو والد مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم عليهما السلام، فعيسى - من ذرية إبراهيم كما سيأتي بيانه في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى، وبه الثقة".
في قوله تعالى: وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ [سورة آل عمران:33] يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض، يحتمل أن يكون المقصود بآل إبراهيم، وآل عمران هو عمران نفسه، وإبراهيم ﷺ نفسه، وهذا معنىً معروف في القرآن، وفي كلام ا لعرب، فإن "آل" قد تطلق، ويراد بها نفس الشخص، وقد يراد بها أهله، أو من يسبون إليه من قومه الذين هم على دينه، وملته، أو نحو ذلك، فالله يقول: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [سورة غافر:46]، فهذه الآية تحتمل هل المقصود أدخلوا فرعون أشد العذاب، أو المقصود إدخال أتباع فرعون، والموافقين له على دينه؟ فالآية تحتمل هذا، وهذا.
ومن أهل العلم من يقول: المقصود به فرعون، وهنا: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا [سورة آل عمران:33]، فذكر آدم، ونوحاً - عليهما الصلاة، والسلام -، ولم يقل:، وآل نوح مع أن نوحاً اتبعه من اتبعه، وإن كانوا قلة.
قال: وَآلَ إِبْرَاهِيمَ، وَآلَ عِمْرَان هل المقصود به إبراهيم، وعمران كما ذكر نوحاً، وآدم - عليهما السلام - ؟ فهذا تحتمله الآية، أو أن المقصود أوسع، وأعم من ذلك كأن يكون المراد أهل الإيمان ممن ينتسبون إليهم، يعني المؤمنين منهم.
وهنا لم يتكلم على قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ [سورة آل عمران:34]، لكن معنى قوله : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ يحتمل أن يكون المراد متناسلة متشعبة، ويمكن أن يكون المراد أي في الإيمان، والتوحيد، وطاعة الله ، والإخلاص له، أي ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ في الإيمان، والعمل، والنية، والإخلاص، والتوحيد، هذا تحتمله الآية.
ويمكن أن يكون المراد بقوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ [سورة آل عمران:34] أي في التناصر، والموالاة، كما قال الله عن المنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ [سورة التوبة:67] فالله قال في أهل الإيمان: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [سورة التوبة:71]، وذكر أهل النفاق فقال: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [سورة التوبة:67].
ابن جرير - رحمه الله - يقول: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ [سورة آل عمران:34] يعني في الموالاة في الدين، والتناصر فيه، ويضيف إلى ذلك بأن دينهم واحد، وطريقتهم واحدة كما في قوله: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ [سورة التوبة:67] فطريقتهم واحدة، ودينهم واحد.