الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَٰلَمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ۝ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ۝ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ سورة آل عمران:42-44].
هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم - عليها السلام - عن أمر الله لهم بذلك أن الله قد اصطفاها، أي اختارها لكثرة عبادتها، وزهادتها، وشرفها، وطهرها من الأكدار، والوسواس، واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين".

هذا الذي مشى عليه ابن كثير مع أنه لم يوضح المراد منه، وهو أن الاصطفاء الثاني غير الاصطفاء الأول، ومن أهل العلم من يقول: إن الاصطفاء الثاني هو الاصطفاء الأول، أي أنه أعيد تأكيداً، ومعلوم أن القاعدة تقول: إن التأسيس مقدم على التوكيد، فابن كثير - رحمه الله - مشى على هذه القاعدة، وهو أن الاصطفاء الثاني غير الأول، فهو صرح، وقال: "واصطفاها ثانياً" أي أن الاصطفاء الثاني غير الأول، لكنه لم يوضح المراد بالاصطفاء الأول، والمراد بالاصطفاء الثاني، وإنما ذكر كلاماً عاماً فقال: "اختارها لكثرة عبادتها، وزهادتها، وشرفها، وطهرها من الأكدار، والوسواس، واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين"، إلا أنه يمكن أن يقال: إن الاصطفاء الأول كان لعبادتها، وزهادتها لتكون من أهل القرب منه، والاصطفاء الثاني أنه اصطفاها على نساء العالمين، أي فضلها عليهن، وعلى هذا يكون الاصطفاء الثاني بمعنى التفضيل على نساء العالمين، فهذا احتمال.
ومن أهل العلم من يقول: اصطفاها الاصطفاء الأول بأن تقبلها بقبول حسن، والاصطفاء الثاني لولادة عيسى - عليه الصلاة، والسلام -، فالحاصل أن الله قال لها بطريق الملائكة: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران:42] أي أن الله اختارك لعبادته، والتقرب إليه، وما إلى ذلك من المعاني، ويدخل فيه أن الله تقبلها بقبول حسن، وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ بمعنى التفضيل، أن الله فضلها على غيرها من النساء.
وقوله: عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ، ظاهره العموم، وقد ذهب إليه جماعة من السلف فمن بعدهم ، وقالوا: إن ذلك على عمومه، وإطلاقه، ومنهم من ذهب إلى أنه يختص بأهل زمانها، كما قال عن بني إسرائيل: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [سورة البقرة:47] يعني على عالم زمانكم، وهذا الذي يتفق مع الأدلة الأخرى التي تدل على اصطفاء الله - جل، وعلا - لغيرها كما سيأتي، وهو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.
"روى هشام بن عروة عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد [أخرجاه في الصحيحين][1].
 وروى ابن جرير عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون[2]، وقد أخرجه الجماعة إلا أبا داود، ولفظ البخاري: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام[3].

هذه النصوص لا تعارض بينها، فتارة ذكر الاصطفاء، والاختيار، أو الخيرية، وتارة ذكر الكمال، وذكر مزية لعائشة - ا -، وهو أن فضلها كفضل الثريد على سائر الطعام.
والعلماء تكلموا في التفضيل بين عائشة، وبين خديجة، وظواهر هذه الأحاديث مع غيرها تدل على أن خديجة - ا - أفضل، وأكمل، ولذلك كانت تغار عائشة - ا - منها غاية الغيرة، وقد بيّن النبي ﷺ وجه ذلك، فالمقصود أن القاعدة هي أن المزية لا تقتضي الأفضلية، والحاصل أن النبي ﷺ ذكر مزية لعائشة - ا -، وذكر فضل خديجة، وآسية، ومريم، فآسية، وخديجة حصل لهن الكمال، ومريم حصل لها الاصطفاء، والتفضيل.
"وقد استقصيت طرق هذا الحديث، وألفاظه في قصة عيسى بن مريم - عليهما السلام - في كتابنا "البداية، والنهاية"، ولله الحمد، والمنة".
  1. أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة -   باب تزويج النبي ﷺ خديجة، وفضلها ا (3604) (ج 3 / ص 1388)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة - باب فضائل خديجة أم المؤمنين ا (2430) (ج 4 / ص 1886). 
  2. أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ.. إلى قوله: وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [سورة التحريم:11-12] (3230) (ج 3 / ص 1252)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة - باب فضائل خديجة أم المؤمنين ا (2431) (ج 4 / ص 1886).
  3. نفس الحديث السابق، وهو لفظ البخاري، ومسلم رحمهما الله.

مرات الإستماع: 0

"وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ اختُلف هل المراد جبريلُ، أو جمعٌ من الملائكة؟".

كما سبق، فالكلام فيه مثل الذي قبله.

"والعامل في إِذْ مضمر".

كما سبق، واذكر إذ قالت الملائكة، أو اذكروا إذ قالت الملائكة.

"اصْطَفَاكِ أولًا حين تقبلك من أمك".

لأنه ذكر الاصطفاء مرتين إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ فالقاعدة أن التأسيس مقدمٌ على التوكيد، يعني بمعنى أن اصْطَفَاكِ الثانية ليست بمعنى الأولى، فيكون توكيدًا للاصطفاء، فالتأسيس يعني كون الثانية تأتي بمعنًى إضافي، ومعنًى جديد، أولى؛ لأن القرآن يُعبر به بالألفاظ القليلة، الدالة على المعاني الكثيرة، فكون اللفظ الثاني يضيف معنًى جديدًا هذا أولى، من القول بأنه مجرد توكيد؛ ولهذا قال: "اصْطَفَاكِ أولًا حين تقبلكِ من أمكِ" ويمكن أن يُقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ يعني: بما حلاها به من الأخلاق، والأعمال الفاضلة، والتقوى، والتنشئة الصالحة، وما إلى ذلك، فهذا الاصطفاء الأول إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ من الأدناس، والأرجاس، والمدنسات جميعًا، والفواحش، وفيه رد على اليهود وَاصْطَفَاكِ هنا الاصطفاء الثاني متعلق بما بعده وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ هذا بالتفضيل:

الأول: بالتهيئة، والتحلية بالتقوى، والإيمان، والعمل الصالح، اصطفاها لأن تكون عابدةً، ومن أهل العبودية، والمراتب العالية، وما أشبه ذلك.

الثاني: اصطفاها على نساء العالمين، فهذان اصطفاءان بهذا الاعتبار، اصطفاها على نساء العالمين، إما عالم زمانها - كما قاله بعضهم - أو على الإطلاق هكذا، ولا ينفي ذلك وجود من اصطفاهن الله كآسية، وخديجة، وفاطمة، وما إلى ذلك، ممن اصطفى الله.

"وَطَهَّرَكِ من كل عيبٍ في خَلقٍ، وخُلقٍ، ودين".

هذا قال بنحوه مجاهد[1] لأن قوله: وَطَهَّرَكِ لم يقيده، فلم يقل: طهرك من الفواحش، والأصل أن حذف المُتَعلق يفيد العموم النسبي، هذه قاعدة، يعني هنا حُذف الـمُـتَعلق، لم يقل: طهركِ من الفواحش، أو طهركِ من قول الزور، أو طهركِ من النظر إلى الحرام، لا، وإنما أطلق، فيدخل فيه الطهارة من كل عيبٍ، ودنس، فيفيد العموم النسبي، ومعنى النسبي: أي ما يصلح في هذا المقام، يعني هل لقائلٍ أن يفهم، أو لقائل أن يقول: طهرك بمعنى أنها لا تحتاج إلى الخلاء، فهذا غير وارد؛ لأن هذا مما كان في الجبلة، فليس هو المقصود؛ ولهذا نقول: العموم النسبي، فحذف المتعلق يفيد العموم النسبي، أو العموم المناسب في هذا المقام؛ ولذلك - كما ذكرت في بعض المناسبات - في قول النبي ﷺ من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه[2] هنا "كفتاه" حُذف الـمُتَعلق، كفتاه من ماذا؟ فقد يفهم بعضنا أن كفتاه مطلقًا، وقد يصل الأمر إلى أن يقول البعض: كفتاه من الذنوب، والخطايا أصلًا، يعني أنها تُكفَّر، ولا تحتاج إلى توبة، ووُجد من فهم هذا الفهم، لكنه غير صحيح إطلاقًا، إذًا لماذا لا يقال: كفتاه حتى من الصلاة الفريضة؟ إذا أردنا أن نجري العموم على أوسع معانيه، ومحامله، وهذا الكلام غير صحيح في هذه المقامات، وإنما العموم النسبي: كفتاه من الشياطين، كفتاه من الشرور، والآفات، وما يتخوفه، ويحتمل كفتاه من سائر الأذكار التي تُقال مثلًا في الليلة، أو عند النوم، ونحو هذا، أو كفتاه ما أهمه، أما أن يكون كفتاه مطلقًا هكذا، حتى من صلاة الفريضة! ومن التوبة؟! في هذا إغراء للناس على هذا الفهم بعمل المعاصي، ومن عدم التوبة، يكفي أن يقرأ الآيتين الأخيرتين، ولا أعلم أحدًا قال ذلك من أهل العلم، والشُّراح أبدًا، وقاعدة العموم النسبي، وحذف الـمُتعلق، هذا محملها، فيقال: يفيد العموم النسبي المناسب.

"وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يحتمل أن يكون هذا الاصطفاء مخصوصًا بأن، وهب لها عيسى من غير أبٍ، فيكون على نساء العالمين عامة، أو يكون الاصطفاء عامًا، فيُخص من نساء العالمين خديجة، وفاطمة، أو يكون المعنى على نساء زمانها، وقد قيل: بتفضيلها على الإطلاق، وقيل: إنها كانت نبيئةً لتكليم الملائكة لها".

أما هذا الأخير فبعيد، ومعلوم قول عامة أهل العلم سلفًا، وخلفًا: أنه لا يوجد نبية من النساء، فهي لم تكن نبية قطعًا، وهذا الاصطفاء الثاني بعضهم يقول: للتوكيد، ولكن كما ذكرت بأن القاعدة: أن التأسيس مقدم على التوكيد، فما محمله؟ قال: "بأن وهب لها عيسى" اصطفاها على نساء العالمين جاءها ولد من غير زوج، لكن لا يظهر أن هذا هو المراد - والله أعلم -.

قال: "أو يكون الاصطفاء عامًا" يعني على سائر النساء، فمشاركة أفراد من النساء في ذلك لا ينافي الاصطفاء المذكور، يقول: "فيُخص من نساء العالمين خديجة، وفاطمة، أو يكون المعنى على نساء زمانها" وهذا الذي اختاره ابن جرير[3] وعزاه الواحدي لأكثر المفسرين[4].

وقيل: "بتفضيلها على الإطلاق" يعني أفضل من خديجة، وفاطمة، وآسية، لكن الاصطفاء على نساء العالمين لا يمنع مشاركة أخريات في هذا، والقول بأنه يختص بعالم زمانها لا يبعد، وإن كان الظاهر: الإطلاق.

الطالب: شيخنا القول الأخير يمكن أن يُرد عليه بقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109].

الشيخ: نعم، فالأدلة على أن النبوة في الرجال صريحة، وواضحة.

والذين يقولون: إنها نبية لا يعجزون عن الجواب عن هذا، يقولون: الله يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا فهي ليست رسولة، وإنما نبية، يوحى إليها.

الطالب: يعني ليست برسول؟

الشيخ: نعم ليست برسول، يقولون: نبية يوحى إليها، لكن ما كلُ من أُوحي إليه يكون نبيًا، فالملائكة كلموا مريم، وليست نبية وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7] وليست نبية وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15] في يوسف  - عليه الصلاة، والسلام - وهو صغير، حيث ذهبوا به إلى البئر، فلم يكن نبيًا، بصرف النظر عن محامل هذا الوحي عند العلماء، والمراد به، يعني بعضهم يقول: بأن ذلك كان بالإلهام، لكن لا دليل على هذا، وبعضهم يُبعد تمامًا، ففي الوحي إلى أم موسى يقول: الوحي الغريزي، يعني مثل وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل:68] وهذا في غاية البعد، فالغريزة، والجبلة أن المرأة تحوط ولدها، وتعطف عليه، ولا تلقيه في اليم، وإنما هذا خلاف ما جُبلت عليه، لكن الوحي الغريزي هذا الذي يذكرونه مثل الوحي إلى النحل، وقوله: وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا [فصلت:12] فبعضهم يقول: هذا وحي تسخيري، ويمكن أن يكون المراد أهل السماوات، فلا يكون من قبيل التسخير - والله أعلم -.

  1.  تفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/647).
  2. أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة برقم: (5009) ومسلم في صلاة المسافرين، وقصرها، باب فضل الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة برقم: (807).
  3.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (5/393).
  4.  التفسير الوسيط للواحدي (1/436).

مرات الإستماع: 0

لما ذكر الله -تبارك وتعالى- بشارته لزكريا بالولد وتعجبه من ذلك، وما جعل الله له من الآية الدالة على انعقاد الحمل، قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ۝ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:42-43].

قَالَتِ الْمَلائِكَةُ كما سبق فإن ذلك كما قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون المراد: قَالَتِ الْمَلائِكَةُ أنه من العام المراد به الخصوص، يعني: جبريل .

يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ اختاركِ لطاعته وعبادته، وكذلك أيضًا لتكون آية للعالمين مع ابنها ، وطهرك من الأدناس والأرجاس والرذائل والمُدنسات الحسية والمعنوية.

وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ اختاركِ وفضلكِ واجتباكِ على سائر النساء، يحتمل أن يكون عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أي على نساء زمانكِ.

ويحتمل أن يكون على نساء العالمين مطلقًا؛ وذلك لا يُنافي اجتباء نساء أخريات، فتكون من جملتهن.

يؤخذ من هذه الآية من الهدايات والمعاني والفوائد: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ، ذكر خبر مريم وما حصل لها من الاجتباء والاصطفاء والتطهير حينما يقص الله ذلك على أشرف الرسل -عليه الصلاة والسلام، وعلى أشرف الأمم، وفي أشرف كتاب، فهذا يدل على منزلة مريم وما كانت عليه من المرتبة، ولا يكاد يُذكر عيسى إلا منسوبًا إليها، بينما الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يُذكرون بأسمائهم ابتداء من آدم وهو نبي مُكلم أول الأنبياء، ونوح أول رسول إلى أهل الأرض إلى خاتمهم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم، لكن عيسى ابن مريم تذكيرًا بالمعجزة وتشريفًا وتنزيهًا، ردًا على اليهود الذين رموها ورموه بأعظم القبائح، عيسى ابن مريم، يَا مَرْيَمُ وهي المرأة الوحيدة التي ذُكرت في القرآن باسمها، وتكرر كثيرًا: يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ فهذا حينما يُذكر في القرآن ويُقص على النبي ﷺ وعلى هذه الأمة فهذا يدل على شرف ومنزلة.

وهذا خبر امرأة فالمرأة قد تصل إلى مراتب عالية من الاجتباء والاصطفاء، وما تكون عليه من الفضائل والمكارم، ولكن بما يذكره الله -تبارك وتعالى- في هذه الآيات، وما أمرها به، وما يذكره -تبارك وتعالى- أيضًا في سورة الأحزاب: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ۝ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32-33]، هذه الأمور التي يحصل بها الطهارة والشرف وعلو المرتبة بالنسبة للمرأة المسلمة، فهذه مريم ليست نبيّة؛ ولكنها امرأة اجتباها الله وهذا يدل على أن الاجتباء والاصطفاء لا يختص بالأنبياء، فهذا باب واسع، فالله -تبارك وتعالى- كما ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة كتابه الشهير في الهدي النبوي أعني "زاد المعاد"[1] ذكر فيه قوله -تبارك وتعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68]، فذكر أن هذا الاختيار واقع بعد الخلق، وذكر الاختيار وأنواعه، فذكر الاختيار في البقاع اختار مكة على سائر البقاع، إلى آخر ما ذكر في الكلام على البقاع كاختيار المساجد على غيرها، وكذلك الاجتباء والاختيار على الأزمنة، اختار يوم الجمعة على أيام الأسبوع، واختار شهر رمضان على سائر شهور العام، واختار عشره الأخير على سائر لياليه، واختار ليلة القدر على ذلك كله، وكذلك اختار أشهر الحج، واختار منها عشر ذي الحجة، واختار منها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم القر، إلى غير ذلك من الاختيار في الأزمنة.

وهكذا الاختيار في الذوات كما قال النبي ﷺ: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم،[2]فهذا اختيار بعد اختيار بعد اختيار، وقد قال النبي ﷺ: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،[3] هذا المجد أربعة من خيار الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، فكذلك اختار الله أهل الإيمان والإسلام، اختار المسلمين من بين سائر الناس، وأكثر الناس كما قال الله : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، فاختار المسلمين، واختار أهل الإيمان منهم، واختار أهل الإحسان من أهل الإيمان، اختار السابقين، وكذلك أيضًا اختار الله من هؤلاء العلماء وأئمة الهدى ومصابيح الدجى، ورثة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].

والراجح أن المراد بذلك هو التفاوت بين أهل الإيمان، فأهل العلم من أهل الإيمان في أعلى مراتبهم، فهذا كله من اجتبائه واختياره، فهذه امرأة ليست نبية، فاختارها الله على نساء العالمين، فهذا فضله يؤتيه من يشاء، قد يقول قائل: بالنسبة للأنبياء فإن النبوة هبة من الله  لا تُحصل بالكد ولا بالسعي كما هو معلوم، وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة، ولكن بغير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في مثل مريم هؤلاء الأبرار الأتقياء، امرأة فرعون، امرأة عمران، خديجة، فاطمة، عائشة، أمهات المؤمنين، -رضي الله عنهن أجمعين، هؤلاء ليسوا بأنبياء، والذي عليه السواد الأعظم من أهل العلم أنه لا يوجد في الأنبياء امرأة، ولكن الطريق مفتوح إلى المعالي، ومدارج الكمال، والمراتب العالية في العبودية أمام المرأة المسلمة وكذلك الرجل، فالطريق مُشرعة وإنما يوصل إلى تلك الدرجات والمراتب العالية بتقوى الله وطاعته ومراقبته والترقي في الدرجات من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان، فيكون العبد يعبد الله كأنه يراه، فهذا لا شك أنه هو الطريق الموصل إلى الله -تبارك وتعالى- وإلى الدرجات العُلى.

فالمرأة المسلمة إذا أرادت الفلاح وإذا أرادت المجد الحقيقي فهو في هذا، هذا هو الطريق وانظروا إلى هذه المدائح والأوصاف التي تُذكر لهؤلاء النساء لم تُذكر واحدة قط بمنصب، ولم تُذكر واحدة قط بمال، ولم تُذكر واحدة قط بشهادات، ولم تُذكر واحدة قط بجمال أعني في مقام المدح، وإنما الذي يُذكر هو الإيمان والبر والتقوى والقنوت والركوع والسجود وما أشبه ذلك، هذا هو الطريق، المرأة المسلمة، لا يوجد امرأة ذُكرت ولا رجل، زيد ذُكر في سياق الخبر، وليس في سياق المدح، وكفاه شرفًا أن يُذكر في القرآن، ذُكر مرة واحدة هو الرجل الوحيد الذي ذُكر اسمه في القرآن زيد بن حارثة : فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا [الأحزاب:37]، أي: زينب بنت جحش -رضي الله عنها، ففارقها وطلقها في القصة المعروفة فتزوجها النبي ﷺ، ذُكر في سياق خبر ولكن في سياق الثناء والمدح من الذي ذُكر باسمه غير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هذه المرأة مريم -رحمها الله.

ثم تأمل قوله -تبارك وتعالى: يَا مَرْيَمُ النداء لها تشريف وباسمها، فإذا كان أُبي بن كعب : "حينما أخبره النبي ﷺ أن الله أمر نبيه أن يقرأ عليه لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1] قال: وقد سماني لك، قال: نعم، فبكى"[4].

هذا شرف مع أن هذه التسمية والذكر لم يكن في القرآن، وعائشة -رضي الله عنها- الطاهرة الشريفة العفيفة حينما أنزل الله براءتها في سورة النور لم يذكر اسمها، وهي أحب أزواج النبي ﷺ إليه بل أحب النساء إليه، لكن مريم تُذكر ويُنوه بها وتذكر أوصافها وما أرشدها الله إليه: يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، "إنّ" هذه تدل على التوكيد، وكما قلنا: هي بمنزلة إعادة الجملة مرتين، فهذا الاصطفاء ثابت، ليس ظنونًا ولا تخرصات ولا توقعات، هذا خبر من لا يتطرق إلى خبره الخلل والخطأ والذهول والنسيان، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ يعني حينما تُخاطب بهذا وباسمها والملائكة تقول لها ذلك ثم يُذكر هذا في القرآن أيضًا، فهي لم تتوقع هذا!.

فهنا: وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، الاصطفاء الأول: هو بما أعطاها وأولاها من الأخلاق الكاملة والصفات المحمودة وما أشبه ذلك.

والاصطفاء الثاني: اصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ متعلق بما بعده، هذا اصطفاء على سائر النساء، اختارها من بين سائر النساء، فالاصطفاء الأول غير الاصطفاء الثاني، الأول اصطفاها لتلك الفضائل والمكارم والأخلاق وما حلّاها الله وجملها به، والاصطفاء الثاني على سائر النساء.

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ فهذا التطهير على إطلاقه هكذا وَطَهَّرَكِ ولم يقل: طهرك من كذا، والأصل أن حذف المتعلق يُفيد العموم النسبي، يعني: المُناسب له في ذلك المقام.

التطهير هذا يشمل تطهير القلب من الأدناس والأرجاس والعلل والأوصاب ابتداء من الشرك الذي هو أسوء الأدناس، وما يكون بعد ذلك من الغِل والحقد وسوء الظن وما أشبه ذلك إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89]، فسلامة القلب تشمل ذلك جميعًا، فهنا هذا التطهير يشمل تطهير القلب، ويشمل تطهير سائر الجوارح، تطهير البصر من النظر إلى الحرام، تطهير السمع من سماع الحرام والخنا واللغو والغيبة وما إلى ذلك، ولذلك الله -تبارك وتعالى- حينما ذكر نعيم أهل الجنة ذكر أنهم لا يسمعون فيها لغوًا، فدل على أن اللغو من الشقاء، وأن مجالس اللغو أنها مجالس حسرات، وكذلك أيضًا النظر إلى الحرام لا شك أنه حظ الشيطان، وأن العين تزني وزناها النظر، وكذلك الأذن، وما أشبه ذلك، فهذا التطهير لها تطهير لسمعها، تطهير لبصرها، تطهير لجوارحها جميعًا، فلا تبطش بشيء إلا في مرضات الله -تبارك وتعالى- كما جاء في الحديث القُدسي: ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه،[5] فالقسم مُضمر، يعني هذا الذي لو أقسم على الله لأبره، متى يكون الإنسان بهذه المثابة؟ إذا كان طاهرًا، لا يزال يتقرب إلىّ عبدي بالنوافل حتى أحبه، هذا بعد إقامة الفرائض، ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال، وهذا يدل على الاستمرار، عبدي يتقرب إليّ بالنوافل، النوافل مطلقًا من صيام وقيام وغير ذلك، حتى أحبه، النوافل البدنية، والنوافل المالية، وما تركب منهما كالحج والعمرة عند القائل بذلك يعني أنه مركب، فهذا كله داخل في هذا التطهير.

فعلينا أن نُطهر قلوبنا من الرياء والسمعة والإشراك والالتفات إلى غير الله، والتعلق بغير الله من المخلوقين، والتوكل على غير الله، والخوف من غير الله، وكذلك نُطهر أبصارنا فلا ننظر إلى الحرام، ويتذكر الإنسان حينما تدعوه نفسه والشيطان إلى النظر إلى ما حرم الله أن هذا يهبط فيه، الناس قد لا يرون هذا ولا يعرفونه؛ ولكن الله يراه فتنحط مرتبة العبد، هذا بالإضافة إلى أمر معلوم وهو أنه ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه، فيُظلم الوجه، والقلوب تنقبض من هذا الإنسان الذي يعصي الله ، ولو كان ذلك في ذنوب السرائر إذا خلا بمحارم الله انتهكها، فمثل هذا كما قال ابن الجوزي -رحمه الله- يقول: "من الناس من يجعل الله له القبول والمحبة وأنت لا تعرف عمله، ومن الناس من تنقبض منه القلوب وقد يكون في الظاهر على حال من العمل الصالح"[6] لهذه الأمور فيما يكون في قلب الإنسان من الإخلاص للمعبود ومراقبته وتقواه، ونسأل الله أن يرحمنا وإياكم.

فهذه وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ هذه الثانية هي اصطفاء آخر غير الاصطفاء الأول، والقاعدة أن التأسيس مقدم على التوكيد، فإذا كانت اللفظة الثانية المُكررة تؤسس معنى جديدًا فهذا أولى من القول بأنها تأكيد للذي قبلها، فلا يوجد في القرآن تكرار محض كما ذكرنا في بعض المناسبات.

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، اختارها على نساء العالمين، ما هي المقومات؟ عبادة، تقوى، شرف بطاعة الله ، الطهارة من كل دنس، كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله[7] وإذا اصطفى الله -تبارك وتعالى- عبدًا لهذه المراتب العالية والمهام الرفيعة فإنه ينبغي أن يوليها شكرًا، وأن يستعملها في طاعة لله -تبارك وتعالى، وأن يجدّ ويجتهد في تحصيل المزيد من الأسباب التي توصل إلى ذلك وتُقرب إلى الله -تبارك وتعالى، ولهذا بعده جاء الأمر لها والتوجيه من الله -تبارك وتعالى- بهذه الأمور في الآية التي بعدها: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43].

وكذلك أيضًا ذكر التطهير هنا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، وهذا الاصطفاء رد على اليهود الذين رموها بأعظم الأدناس والأرجاس بعد الشرك بالله ، أنها قد قارفت ما قارفت فأنجبت هذا الولد من غير أب، فذكر تطهيرها تنزيهًا لها وتشريفًا وشهادة منه -تبارك وتعالى- بطُهرها، وردًا على هؤلاء المفترين.

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]. 

 

لما ذكر الله -تبارك وتعالى- مريم -رحمها الله- وما حباها الله به من الاصطفاء والاجتباء: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، لما ذكر هذا الاصطفاء والتطهير والاجتباء قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، فذكر لها جملة من الأمور التي تتفق مع هذا الاجتباء والاصطفاء للتأهل للرُتب العالية، ولتكون على حال مرضية هي حال المُجتبين الأصفياء.

فقال الله لها: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي والقنوت هو الدوام على الطاعة في عامة استعمالاته، اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، هذا القنوت الذي هو الدوام على الطاعة يتضمن معانٍ من الخضوع والخشوع ونحو ذلك، ثم أمرها أيضًا بالسجود والركوع مع الراكعين شكرًا لله -تبارك وتعالى- على ما أولاها من هذه النِعم، الملائكة حينما تُخاطبها، وتُخاطبها بـــ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ القنوت كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-[8] في استعمالاته يدور على معنى وهو دوام الطاعة، فهذا أمر من الله ، والأصل أن الأمر للوجوب، فعبادة الله وطاعته والاستقامة على صراطه المستقيم ليست طفرة، ليست أمرًا عارضًا في حالة لربما تنتاب المرء من إقبال، أو مصيبة حلت به أو غير ذلك فيستقيم أيامًا أو شهورًا، ثم بعد ذلك يُدير ظهره ويرجع إلى حاله التي كان عليها، لا، وإنما الدوام، ولهذا في كل ركعة نقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، ومن المعاني الداخلة تحته على كثرتها وأنواع الهدايات ثبتنا على الصراط، فلا يسلك الإنسان الصراط مدة من الزمن تطول أو تقصر ثم بعد ذلك يتراجع قبل الممات، اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي، دوام الطاعة، وهذا لا شك أنه من مقاصد الشارع في تكليف المكلفين بهذه الشريعة الدوام والاستمرار، ولهذا قال الله : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقد قرر العلماء كالشاطبي -رحمه الله- في "الموافقات"[9] في الكلام على مقاصد الشريعة بأنّ تحمل المُكلف من العمل أكثر مما يُطيق، أو ما يشق عليه مشقة زائدة مما يؤذن بالانقطاع أن هذا على خلاف مقصود الشارع؛ لأن مقصود الشارع الدوام والاستمرار، وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل.

قد يسمع الإنسان محاضرة عن قيام الليل ثم يبدأ يُصلي إحدى عشرة ركعة في ساعتين أو نحو ذلك، ثم ما يلبث أن ينقطع حتى يترك الوتر، فهذا لا يستقيم، قد يفعل ذلك بعضهم إبان زواجه في أوله مع امرأته ونحو ذلك، وما هو إلا أسبوع، أو عشرة أيام، أو نحو هذا ثم ينقطع، فهذا لا يصح بحال من الأحوال.

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي ومن المعاني الداخلة في القنوت الخشوع والخضوع لله ، الإنسان القانت، فهذا من المطالب الشرعية في حق أهل الإيمان من الرجال والنساء، أن يكون الإنسان على حال من الخشوع والخضوع لله والإخبات، هذه معانٍ كبار فتكون من أعمال القلوب وتظهر آثارها على الجوارح ولابد، لابد أن تظهر آثار هذه على جوارحه، يظهر ذلك على وجهه وعلى حاله كما لا يخفى.

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ولاحظ هنا اقْنُتِي لِرَبِّكِ إضافة الربوبية هنا "لربك" هذه الربوبية ربوبية خاصة، الربوبية بأهل الاصطفاء والاجتباء، ربوبية أهل الإيمان، فيصلهم من ألطاف الله ما لا يُقادر قدره، اقْنُتِي لِرَبِّكِ، ثم ذكر الربوبية هنا في هذا الموضع له معنى، وذلك أن هذا القنوت ودوام الطاعة حينما يكون للمالك المعبود الرب المُربي بالنعم الظاهرة والباطنة وهو بمعنى السيد والمالك والمُدبر لأمور خلقه المُربي لهم، فإن هذا لا يُستغرب، كيف لا يُقنت له وهو الرب، هو سيدنا ومالكنا ، فإذا قال: اقنت لربك، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، اعبد ربك، فهذا تبريره معه مقترن به فهو ربك، فمن الطبيعي أن الإنسان يعبد ربه ويقنت لربه فما طالبته بشيء فيه غرابة، وإنما هذا هو الأمر الذي ينبغي أن يكون اقْنُتِي لِرَبِّكِ.

وهنا: اقْنُتِي لِرَبِّكِ تقديم ما حقه التأخير، فقدم اقْنُتِي لِرَبِّكِ ليدل على التجريد والإخلاص لله ، فالقنوت لله وحده، فالعبادة قد تكون كثيرة ولكنها قد لا تكون خالصة لله ، يدخلها ما يدخلها من المقاصد الفاسدة فتكون عبئًا على صاحبها، وتكون قوتًا وزادًا له إلى النار، أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة الثلاثة جميعًا من المُرائيين، اشتركوا في هذه الصفة وافترقت أعمالهم، قارئ ومُنفق ومُجاهد، أشرف الأعمال وكان ذلك غير مُغنٍ عنهم لما كان الإخلاص مفقودًا.

اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، فهنا أنه قدم السجود على الركوع، الركوع قبل السجود، وذلك يمكن أن يكون من باب تقديم الأشرف وهو السجود، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فالسجود أعظم وأشرف من الركوع، وكذلك أيضًا يمكن أن يكون ذلك باعتبار أن الواو لا تقتضي الترتيب، اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، ويحتمل أن يكون المقصود بالسجود الصلاة يُعبر عنها بجزئها الذي هو الرُكن.

ويحتمل أن يكون المقصود بالركوع الخضوع لله ، هذه احتمالات والظاهر المُتبادر -والله تعالى أعلم- أن السجود على ظاهره وضع الجبهة على الأرض، هذا هو السجود الشرعي، فلا يُعدل عنه إلا لدليل، لاسيما أنه ذُكر معه الركوع، فدل على أن المقصود السجود والركوع الحقيقين، -والله أعلم.

وكذلك أيضًا هذه الآية: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، في الآية التي قبلها يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، يَا مَرْيَمُ مرة أخرى، فهذا كله يدل على شدة العناية بها ولُطف الله بها، وكذلك ما يُذكر بعده، يعني: هناك تنبيه على الاصطفاء والاجتباء وهنا لما يُذكر بعده من الأمر.

وكذلك أيضًا لما ذكر الله -تبارك وتعالى: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، هنا: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، هل هذا يدل على صلاة الجماعة أنها مُطالبة مأمورة بصلاة الجماعة كما فهم بعض أهل العلم من قوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]؟ ليس كذلك، وإنما المقصود الدخول في جملتهم أن يكون من جُملة هؤلاء بالتحلي بأوصافهم والعمل بمثل هذه الطاعات والعبادات الجليلة، ولهذا فإن قوله -تبارك وتعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، لا يدل دلالة صريحة على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن هذه الآية: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ لمريم وهي امرأة غير مُطالبة بصلاة الجماعة، لكن يدل على صلاة الجماعة على وجوبها أدلة أخرى: "لما هم النبي ﷺ أن يُحرق على أقوام بيوتهم"[10] وغير ذلك من الأدلة الواضحة الصريحة التي تدل على وجوب صلاة الجماعة على الرجال، مع أن بعض أهل العلم قال في قوله تعالى: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، أن المقصود في الجماعة؛ لأنها كانت في موضع يُصلى فيه وهو المسجد فتُصلي معهم، لكن هذا قد لا يخلو -والله أعلم- من بُعد، وما ذُكر قبله أولى، -والله تعالى أعلم.

وهكذا أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، هذا داخل في جملة العبادة، اقْنُتِي لِرَبِّكِ دوام الطاعة، ومن ذلك الركوع والسجود لكن لشرفهما أفردا، -والله تعالى أعلم، فإن ذكر الخاص بعد العام يدل على شرفه، وهكذا إفراد الخاص ثم ذكر العام، مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة:98]، فهم من جملة الملائكة -عليهما السلام- لكن لشرفهما ومنزلتهما وعلو رُتبتهما أفردهما، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وهي من جُملة الصلوات، لكن لأهميتها وعظيم خطرها نص عليها، ثم إن الركوع والسجود هو من أجلى صور الخضوع، والقنوت من معانيه الخضوع لله -تبارك وتعالى، وكذلك حينما نقول: بأن المراد السجود والركوع الحقيقي وقد تُرك الترتيب يدل على أنه يمكن أن يُترك الترتيب لحاجة أو مصلحة، يعني: في ذكر المذكورات، فقد تذكر الأشرف حينما تعد جملة من العبادات تبدأ بالأشرف أو الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، كما قال الله -عز وجل: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فبدأ بالنبي ﷺ، كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ [النساء:163]، إلى آخر ما قال الله -تبارك وتعالى، فقد يُبدأ بالأشرف.

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة في هذه التوجيهات، وما أمرها الله به أن النِعم تُقابل بالشكر، فإذا أنعم الله علينا بالاصطفاء والاجتباء لأن نكون من خير أمة أُخرجت للناس فينبغي أن يكون ذلك سائقًا ودافعًا للطاعة والتشمير في العبادة والجد والاجتهاد في مرضاة الله -تبارك وتعالى، لا أن يُعرض الإنسان أو يتشبه بمن لا خلاق لهم من أهل الضلال أو أهل الغضب، وهو في كل ركعة يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، وهو يتبع آثارهم ويقتفي أعمالهم ويتشبه بهم، هذا لا يكون.

وكذلك أيضًا ذكر السجود هنا والركوع خاصة في هذا الموضع، موضع الشكر فإن ذلك أيضًا أدل عليه، وبنو إسرائيل لما أمرهم الله بدخول القرية التي كتب الله لهم: ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:21]، وهذه القرية كما أمرهم الله فيها بقول وفعل، دخول باب القرية سُجدًا وهو المقصود بذلك الركوع، يعني: يدخلون خضوعًا لله راكعين، وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة:58]، فأمرهم بفعل وهو الدخول سجدا، وبقول وهو أن يقولوا حُط عنا خطايانا، أو أن مسألتنا حِطة، يعني: أن تحط عنا خطايانا، فأمروا أن يدخلوا هذه القرية أو الأرض المقدسة، أو بيت المقدس وهم في حال الركوع خضوعًا لله على نعمة الفتح، والنبي ﷺ لما فتح مكة كان ﷺ دخلها وهو مُطأطأ رأسه حتى إن لحيته ﷺ تكاد أن تُصيب رحله، لم يدخل متعاليًا متعاظمًا وإنما دخل متواضعًا لله وصلى ثمان ركعات، قال بعضهم: هي صلاة الفتح، والأقرب أنها سُنة الضحى، فكل ذلك خضوع لله -تبارك وتعالى- حال النعمة، فينبغي للعبد أن يُكثر من ذكر الله وشكره وطاعته على نعمه الظاهرة والباطنة: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].

كذلك أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ولم يقل: مع الراكعات، ربما باعتبار تغليب الرجال كما هي عادة القرآن فإنه يُغلب الرجال باعتبار أنهم الأشرف والنساء تبع لهم، أو باعتبار أن الذي أُمرت به لربما كما قال بعض أهل العلم أن تُصلي مع الجماعة، فقد كانت في المسجد، فالرجال هم الذين يصلون الجماعة وخوطبوا بها.

وكذلك ذكر بعض أهل العلم غير هذا من التوجيهات: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ما قال مع الراكعات، والنساء غير مأمورات بصلاة الجماعة، فإن صلينها فلا إشكال، لكن غير مُخاطبات بهذا كالرجال حيث وجبت عليهم.

وكذلك أيضًا ذكر القنوت والركوع والسجود كل ذلك يبعث على التواضع لله ، فإذا كان الإنسان في حال نعمة فإنه لا يُعجب بنفسه ولا يترفع على الناس ولا يتعاظم أنه قد وصل إلى مراتب عالية وهم ليسوا بشيء، وإنما يزيده ذلك كسرة، وخضعان لمن أولاه النعمة، هذا هو الطريق المهيع والمسلك الواضح الذي ينبغي أن يكون عليه العبد، كلما ازداد من هذه النِعم والألطاف ازداد خضوعًا لله -تبارك وتعالى، وأما غير الموفق والجاهل الذي لم يعرف ربه، ولم يعرف نعمه، ولم يعرف نفسه غابت عنه هذه الثلاث، فإنه كلما ازداد نعمة ازداد أشرًا، وبطرًا وتيهًا وكبرًا وتعاظمًا على الخلق، واحتقارًا لهم.

وكذلك أيضًا هنا في قوله -تبارك وتعالى: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ملحظًا فيها إذا قيل: بأن المراد بذلك صلاة الجماعة، قال: "هذا باعتبار هذه المرأة المعينة يعني مريم -رحمها الله- أنها كانت مجردة منذورة لله عاكفة في المسجد فخوطبت بهذا، وليس ذلك بخطاب لعموم النساء"[11] لكن على المعنى السابق تدل في جملتهم فتكون في جملة المصلين ممن يتحقق بهذا الوصف ويتمثل هذه العبادة، -والله تعالى أعلم.

فالمقصود أن هذه هي المؤهلات، وهذا هو أيضًا عنوان الشُكر لله، إذا أراد الإنسان أن يشكر الله فإنه يشكر بالقول والفعل، بالإنفاق في سبيل الله، ويشكر بأنواع العبادات، ولكن هنا أمرها الله بجملة من الأمور: دوام الطاعة، والركوع والسجود، يعني الصلاة، وهذا يدل على منزلة الصلاة، وأنها من أعظم الأعمال وأجلها، وأنها من أجلى صور الشكر، ومن أجلى صور الخضوع لله في الوقت نفسه، هذا ظاهر من أمرها بذلك باعتبار أمرها، هنا مقام تكريم وتفضيل وهذا خلاف ما يدعيه هؤلاء من أهل الانحراف والضلال من الصوفية الذين يقولون: بسقوط التكاليف إذا وصل الإنسان إلى المراتب العالية.

فهذا التكريم وهذا الرفع لمنزلتها ودرجتها ويقول لها: وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، فمن الذي يسقط عنه التكليف، كلما ازداد العبد مرتبة في العبودية كان وظائفها أكبر وأعظم وأعمق في حقه، -والله تعالى أعلم، وبهذا نقول: بأن المرأة المسلمة إذا أرادت الرفعة الحقيقية فعليها بهذه الأعمال والأوصاف، هذا الذي يحصل به المنازل العالية، وهذا الذي يُبنى ويُشيد به المستقبل الحقيقي وليس الأوهام، وفي الإحصاءات العالمية، وقد قرأت كثيرًا من هذا ودراسات في بلاد الغرب والشرق وغير ذلك، الذين يقولون بأن المرأة عندهم كالرجل تمامًا، وفي آخر ما خرجوا به أن المرأة والرجل شيء واحد، فهؤلاء في الوقت نفسه في التقارير الصادرة عنهم والدراسات أنه قلّ أن تصل امرأة إلى مناصب ومراتب عالية من الوظائف كما هو مُشاهد، فكم من الرجال رؤساء دول وكم من النساء، كم من الرجال وزراء وكم من النساء، مع أن عدد الرجال يُكافأ النساء تقريبًا، فلماذا لا يكون النصف في العالم الحر كما يقولون: العالم المتقدم، يقولون: وهكذا في كل الأعمال الإدارات الرجال هم الذين يسيطرون، والمرأة في الأعمال الأخرى المُساندة، السكرتارية ونحو ذلك، هذا في بلادهم، طيب، أعطوا المرأة كل شيء فلماذا هي عندهم مهضومة؟ هم يدركون أن المرأة لها وظائف حقيقية، وبدأوا الآن يطالبون بإعادتها إلى وظيفتها الحقيقية، وأنها ليست ...، هذا مع ارتفاع الصوت في التظلم من أذى الرجال، وتسلط الرجال، وتحرش الرجال بهن على مختلف المستويات، تقوم امرأة في البرلمان عندهم وتعلنها صريحة تحرش الرجال من زملائها في البرلمان بها، امرأة تعمل في الشرطة هناك وتعلنها بأن زملائها في الشرطة ورؤسائها يتحرشون بها، امرأة تعمل بالجيش وهن كُثر قد رفعن الصوت متظلمات من تحرش قادتهن وزملائهن بهن، بل بفجورهم بهن، وهكذا. 

  1. انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 47)، وما بعدها.
  2. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2276).
  3. أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالىلَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ [يوسف:7]، برقم (3390).
  4. أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب أبي بن كعب t، برقم (3809)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل، والحذاق فيه، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، برقم (799).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الرقائق، باب التواضع، برقم (6502).
  6. انظر: صيد الخاطر (ص: 366).
  7. تفسير ابن كثير (2/ 39).
  8. مجموع الفتاوى (22/ 374)، (22/ 548).
  9. الموافقات (3/ 504).
  10. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، برقم (644)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم (651).
  11. المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 84).