في قولها: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ هذا كما قال الله في سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا [سورة مريم:16] إلى آخر الآيات التي ذكرها الله مما يفسر هذه الآية.
وذكر الله أيضاً في سورة التحريم أن الملك نفخ في فرجها، قال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا [سورة التحريم:12].
وذكر في موضع آخر أن النفخ كان فيها كما في سورة الأنبياء وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا [سورة الأنبياء:91] فهذه الآيات تفسر هذه الآية.
هذا من التفسير المتشابه اللفظي، وهو من اللطائف في التفسير، ووهو جواب لسؤال تقديره: لماذا قال هناك في قصة زكريا - عليه الصلاة، والسلام - كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء [سورة آل عمران:40]، ووقال هنا: كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ؟ فهذا المعنى الذي ذكره ابن كثير هنا يفسر هذا، وهو معنىً جيد.
المعنى الذي ذكره ابن كثير ظاهر، وهو أنه ذكر في حق عيسى ﷺ الخلق؛ لئلا يكون هناك شبهة في أن عيسى نُفخ فيه من روح الله فيقال: إنه قد حل فيه روح من الله بمعنى أنها غير مخلوقة كما يقولون: حل اللاهوت في الناسوت، فاللاهوت أي الله، ووالناسوت أي الناس، فالله تعالى ذكر الخلق ليدل على أنها روح مخلوقة، فعيسى مخلوق، ووالمخلوق لا يكون إلهاً، فهو ليس ابن الله؛ لأن الابن في الواقع جزء من أبيه، ولو كان ابناً له لكان إلهاً، فعيسى ﷺ مخلوق من جملة من خلقهم الله ، فعبر بلفظ الخلق؛ لئلا يتوهم أنه ما دام قد جاء من غير أب، ووجاء بنفخ روح من الله فإنه غير مخلوق أو له جزء من الإلهية أو فيه معنى من معاني الإلهية، لا بل هو مخلوق من جملة الخلق - والله أعلم -.