وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [سورة آل عمران:50] فيه دلالة على أن عيسى نسخ بعض شريعة التوراة، وكشف لهم عن المغطّى فيما كانوا يتنازعون فيه خطأً، كما قال في الآية الأخرى: وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [سورة الزخرف:63]، - والله أعلم -".
هو لم يكن ناسخاً للتوراة، بل كان متعبداً بها، لكنه نسخ بعض الآصار، والأغلال التي كانت عليهم، وجاءهم بهذه الآيات الواضحة التي لا تترك في الحق لبساً، ويقول: جئتكم مقرراً لما في التوراة، ومخففاً عليكم بعض الآصار، ومبيناً لكم بعض الأمور التي تختلفون فيها، وهذا لا شك أنه من أعظم النعمة التي ساقها الله إلى بني إسرائيل.
وكلامه في غاية الاعتدال، والصواب لمن يعقل، فهو ما جاءهم بشيء تنفر منه نفوسهم، وطباعهم، وإنما جاءهم مقرراً لشريعتهم، ولكتابهم متعبداً بها فقابلوه بالكفر.
فالحاصل أنه تعبدهم الله بالتوراة لكن لشدة بغض النصارى لليهود، وبسبب العداوة التي حصلت بينهم، وبين اليهود تركوا العمل بالتوراة، وبقوا بدون شريعة، ولم يكن عندهم قانون، ونظام يحكم الحياة، والإنجيل لم يكن كتاب شريعة متكاملاً مثل التوراة، وإنما فيه نسخ بعض الأشياء، وفيه أشياء كما يذكرون في الآداب، والأخلاق، والرقائق، ونحو ذلك، فبقوا من غير شرع، فاخترعوا لهم كتاباً سموه: "الأمانة العظمى" وضعوا فيه القوانين، وصاروا يعملون بها من ذلك الحين.