"أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73] يحتمل أن يكون من تمام الكلام الذي أُمر النبي ﷺ أن يقوله، فيكون متصلًا بقوله: إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وأن يكون من كلام أهل الكتاب، فيكون متصلًا بقولهم: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ويكون: إِنَّ الْهُدَى اعتراضًا بين الكلامين.
فعلى الأول يكون المعنى: كراهة أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ قلتم ما قلتم، ودبرتم ما دبرتم من الخداع - وفي النسخة الخطية: وذكرتم ما ذكرتم من الخداع، فموضع أَنْ يُؤْتَى مفعول من أجله، أو منصوب بفعل مضمر، تقديره: فلا تنكر أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب، والنبوءة.
وعلى الثاني: فيكون المعنى: لا تؤمنوا أي: لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، واكتموا ذلك على من - وفي النسخة الخطية: عن من - لم يتبع دينكم لئلا يدعوهم إلى الإسلام، فموضع (أن يؤتى) مفعول بــ(تؤمنوا) المضمن معنى تقروا، ويمكن أن يكون في موضع المفعول من أجله، أي: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية - وفي النسخة الخطية: كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم."
هذه الآية قال القرطبي - رحمه الله - بأنها أشكل آية في هذه السورة، وذكرنا في التعليق على المصباح أن أشكل آية في القرآن من جهة المعنى، والإعراب: هي آية المائدة تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ [المائدة:106].
وذكر هذه الاحتمالات في المعنى، لاحظ السياق وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ [آل عمران:73] لاحظ الجملة الآن: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ هذا كلام الله الآن هم يقولون: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ رد عليهم: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ نقطة أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ هل هذا تابع للذي قبله؟ فيكون الكلام: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو يحاجوكم عند ربكم؟ أو يكون هذا يتبع قول الله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ هذا من كلامهم، ثم قال: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:73].
فالآية تحتمل فهنا: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ هنا بداية الإشكال، الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول في المعنى: "لا تظهروا ما عندكم من العلم" لاحظ الآية: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73] تؤمنوا هنا: هل معناها تطمئنون، وتثقون، فتبدون لهم ما عندكم من معلومات، وما في كتابكم، أو الإيمان بمعنى الإقرار، والإذعان، والتصديق؟ لا تؤمنوا لأحد غير اليهود، فالعرب لا يستحقون ذلك، لا تؤمنوا لغير من كان يهوديًّا، واضح، الإيمان بمعنى الإقرار، والتصديق، انتبهوا.
وعلى المعنى الآخر: لا تؤمنوا يعني: لا تثقوا، ولا تطمئنوا، فتخرجوا هذه المعلومات التي تجدونها في كتبكم، ثم بعد ذلك يحتجون عليكم بها، ويقولون: هاأنتم في كتبكم يوجد ما يدل على صدق النبي ﷺ وصحة ما جاء به، ثم تكفرون، فيحتجون عليكم، أو على المعنى الآخر الذي سيأتي إيضاحه، أو يستوون معكم في العلم، فهم يحسدونهم لئلا يكونوا بمنزلتكم، في هذا العلم الذي اختصكم الله به، فأبقوهم على جهلهم، لا تبدوا لهم شيئا من المعلومات، فيستوون معكم حسدًا، وكتمانًا للعلم، فهذا معنى لا تؤمنوا.
فالحافظ ابن كثير يقول: المعنى وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73]: "لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، فيتعلموه منكم، ويساووكم به، ويمتازوا به عليكم، لشدة الإيمان به" لاحظ الآن: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ الحافظ ابن كثير يقول: لا تظهروا ما عندكم إلا لمن تبع دينكم، لا تخبروا هؤلاء العرب، لا تخبروهم؛ لئلا يستووا معكم.
قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى يعني لأجل ألا يؤتى، كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، فيستوي معكم، وتكونون أنتم، وهم سواء.
ابن جزي هنا يقول: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يحتمل أن يكون من تمام الكلام، الذي أُمر النبي ﷺ أن يقوله متصلًا بقوله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ.
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ انتهى كلامهم الآن قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ هذا كلام الله متصل أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يعني يكون يحتمل أن يكون من تمام الكلام الذي أمر النبي ﷺ أن يقوله متصلًا بقوله: إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وأن يكون من كلام أهل الكتاب فيكون متصلًا هذا الاحتمال الثاني.
دعونا في الاحتمال الأول: أن يكون متصلًا بكلام الله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ هذا قال به جماعة من السلف، كالحسن، وسعيد بن جبير، ومقاتل كيف يكون المعنى على هذا إذا كان متصل بقول انتبهوا: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يكون المعنى: قل يا محمد إن الهدى هدى الله أَنْ يُؤْتَى: بمعنى الجحد، أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد، إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم.
قوله: يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ أي: عند فعل ربكم بكم ذلك، كن هكذا وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ انتهى كلامهم، هذا كلام الله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ [آل عمران:73] أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، يعني معاشر المسلمين، إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم.
قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ الذي أوحاه إلى نبيه ﷺ واختصكم به، بهذا الوحي، والنبوة.
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، فحاباكم، واجتباكم، وأعطاكم، وانتقلت النبوة إلى العرب.
أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ يعني لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الفضل، والهدى، إلا أن يحاج، ويجادل هؤلاء اليهود بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم من باب الدعاوى العريضة الفجة، التي هي من جملة دعواهم أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ يعني عند فعل ربكم ذلك بكم، من التفضيل، والتكريم، فيتقولون، ويتزيدون عليكم، هذا معنى ذكره هؤلاء: الحسن، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان.
والمعنى الذي ذكره ابن كثير هو ما سبق، يقولون: وَلا تُؤْمِنُوا بمعنى لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، فيتعلموه منكم، فيساوونكم أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ فيتخذونه ذريعة للاحتجاج عليكم، يقولون: أنتم عندكم هذا، وما تؤمنون، عندكم دلائل تدل على صدق النبي ﷺ ومع ذلك أنتم تجحدون، يحاجوكم به عند ربكم.
فيكون هذا على قول ابن كثير، فيكون قوله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ جملة اعتراضية من كلام الله، ثم يأتي تكميل كلام اليهود: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، لئلا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
فهذا ابن جزي يقول: يحتمل أن يكون من تمام الكلام الذي أُمر النبي ﷺ أن يقوله متصلًا بقوله: إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ وأن يكون من كلام أهل الكتاب فيكون متصلًا بقوله: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ.
ولا تؤمنوا إلا (لمن) تبع دينكم، لاحظ عدّاه باللام، قيل: لأنه معنى مضمن معنى الثقة، والركون، ونحو ذلك، ولا تركنوا إلا لمن، ولا تثقوا إلا لمن تبع دينكم، يعني لا تطمئنوا، فيكون الإيمان هنا بمعنى الركون إليهم، وكذا، فتعطونهم المعلومات التي في كتبكم، فيكونون مستوين معكم في العلم، أو يحتجون بها عليكم عند الله ويقولون: هذه برهان على صدق ما جاء به النبي ﷺ وهي حجة عليكم حيث كذبتم بها.
فهذا كونه من جملة كلام أهل الكتاب، هذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - وابن كثير والواحدي والسعدي وقبلهم قال به مجاهد - رحمه الله -.
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ فتكون: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ جملة اعتراضية، والباقي كلام اليهود قبله، وبعضه، فيكون هكذا: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ فهذا الذي اختاره هؤلاء، وكأنه هو الأقرب - والله أعلم -.
يقول: فعلى الأول، الأول ما هو؟ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ يقول: يحتمل أن يكون من تمام الكلام الذي أمر النبي ﷺ أن يقوله، يكون متصلًا بقوله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ [آل عمران:73] يعني لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل، ويقولون: نحن أفضل، ويدعون عليكم هذه الدعاوى العريضة، ويزايدون عليكم بغير حق.
يقول: فعلى الأول يكون المعنى: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يكون المعنى: كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، يعني: وقلتم ما قلتم، ودبرتم ما دبرتم من الخداع، فموضع أن يؤتى مفعول من أجله، يعني يكون هذا كله من كلام الله.
قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73] يعني كراهة لكراهتكم، أن يؤتى أحد لكراهتكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ارتكبتم هذه العظائم، وادعيتم هذه الدعاوي، ودبرتم ما دبرتم، من المكايد من الدخول في الإيمان أول النهار، والكفر في آخره، من أجل أن يتشككوا، ويرتدوا عن دينهم، ولا يدخل الآخرون فيه، باعتبار أنكم أهل علم، ومعرفة، فدخلتم، وخرجتم، فينصرف الناس عنه، كراهة أن يؤتى قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:73].
قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ فعلتم ما فعلتم، من الدخول في الإسلام، والكيد، وإلى آخره، فموضع أن يؤتى مفعول من أجله، أو منصوب بفعل مضمر تقديره: فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب، والنبوة، وهذا فلا تنكروا، يعني: أنه منصوب بفعل مضمر، فلا تنكروا أن يؤتى، أن يؤتى أحد، هو من جملة كلام الله، فلا تنكروا على الأول كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو بمقدر، وهو: فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب، والنبوة، هذا اختاره أبو حيان أي لمخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو يحاجوكم عند ربكم فعلتم ذلك، وقلتم ما قلتم؟
وعلى الثاني: أن يكون متصلًا بكلام اليهود، وتكون فقط: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ جملة اعتراضية من كلام الله، ثم يرجع لكلام اليهود، هذا قول اليهود: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73].
فيكون المعنى: ولا تؤمنوا، أي: لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، صار الإيمان هنا بمعنى الإذعان، والإقرار، الإيمان تصديق، والإذعان، والإقرار.
وعلى الأول: بمعنى الركون، والثقة، فتفضي له بما عندك، تقول: لا تطمئن إلا لمن كان يهوديًّا فقط، لا تعطوهم شيئاً من هذه المعلومات التي اختصكم الله بها؛ لئلا يستوون معكم في العلم، أو يحتجون عليكم بها عند الله - تبارك، وتعالى - لاحظ: فيكون المعنى (لا تؤمنوا): أي لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، واكتموا ذلك على من لم يتبع دينكم؛ لئلا يدعوهم إلى الإسلام، فموضع (أن يؤتى): مفعول بـــ (تؤمنوا). وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73].
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ فيقول: موضع أن يؤتى مفعول بـ(تؤمنوا) لا تؤمنوا أن يؤتى، المضمن معنى تقروا، ويمكن أن يكون في موضع المفعول.
على كل حال: أَنْ يُؤْتَى هذا فيه قراءتان، الأولى: بالمد، آن يؤتى، هو استفهام بمعنى الإنكار، آن يؤتى، أي أيؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟ يعني ما يمكن، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، هذا على قراءة ابن كثير، تكون همزة استفهام، بمعنى الإنكار.
والثانية: بغير مد، أن المصدرية، والمعنى: ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، والمعنى كراهة أن يؤتى من العلم؛ لأنكم إذا أظهرتم لهم ما عندكم من العلم ساووكم.
يقول هنا: ويمكن أن يكون في موضع المفعول من أجله، أي لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، هذا باعتبار أنه من قول اليهود، مع أن ذلك يتأتي لو كان من كلام الله يعني على أحد الوجوه.
"أَوْ يُحَاجُّوكُمْ قال: عطف على أَنْ يُؤْتَى وضمير الفاعل للمسلمين، وضمير المفعول لليهود.
أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ضمير الفاعل الواو، وضمير المفعول هنا: الكاف، يعني، أو يتخذوه حجة عليكم عند الله، ويشهدون أن الحجة قد قامت عليكم، وهذا الذي اختاره ابن كثير والشيخ عبد الرحمن بن سعدي من المعاصرين، لئلا يحتجوا به عليكم.
ابن جرير - رحمه الله - يقول: لا تصدقوا أن أحدًا يجادلكم عند ربكم؛ لأنكم أصح دينًا، وأكرم على الله منهم، لا تصدقوا أن أحدًا يجادلكم عند ربكم؛ لأنكم لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ على قراءة المد: أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟ بهمزتين أَوْ يُحَاجُّوكُمْ ولا تصدقوا أن أحدًا يحتج عليكم عند ربكم؛ لأنكم أصح دينًا، وأكرم على الله - تبارك، وتعالى -.
وهنا أَوْ يُحَاجُّوكُمْ يقول: عطف على أَنْ يُؤْتَى وضمير الفاعل للمسلمين، وضمير المفعول لليهود.
يعني، ولا تؤمنوا لغير أتباعكم، فإن المسلمين يحاجوكم عند ربكم بالحق، ويغالبونكم عند الله، وعلى هذا يكون قوله: إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ مستثنى من شيء محذوف، تقديره: ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم (لأحد من الناس إلا لأشيائكم دون غيرهم).
المعنى عمومًا يحتمل، يحتمل أن يكون معنى: ولا تثقوا، ولا تطمئنوا إلا لمن تبع دينكم، واكتموا أمركم، ولا تظهروا سركم، وما عندكم للمسلمين كما يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -.
وابن جرير - رحمه الله - يقول: "بأن المعنى: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم، فكان يهوديًّا، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد من البشر مثل الذي أوتيتم" لا يوجد، فأنتم الذين اختاركم الله وأنتم الذين اصطفاكم على الناس، فالآية تحتمل هذه الوجوه، والمعاني، ويحتاج إلى شيء من التأمل، انظروا فيه، وراجعوه، ودققوا فيه النظر، من أجل أن تتصوروا المعنى.
"أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عطف على أَنْ يُؤْتَى وضمير الفاعل للمسلمين، وضمير المفعول لليهود إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ [آل عمران:73] رد على اليهود في قولهم: لم يؤتى الله أحد مثل ما أوتي بنو إسرائيل من النبوءة، والشرف."
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ على أحد الأوجه قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يعني التوفيق للإيمان، والهداية للإسلام، وما إلى ذلك يعطيه الله من شاء من عباده.
وقد آتى الله هذه الأمة - أمة محمد ﷺ - من الفضائل ما يزيد على بني إسرائيل.
على المعنى الثاني: يكون المعنى (ولا تؤمنوا) أي: لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، إلا لمن تبع دينكم، هذا يكون على حذف حرف الجر كما يقول بعض أهل العلم، وأن، والفعل في تأويل مصدر، إيتاء يعني، يتعلق بقوله: وَلا تُؤْمِنُوا والأصل: لا تؤمنوا بأن يؤتى (بـــ) حرف الجر محذوف، بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ.
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73]: يعني لا تصدقوا بأن أحدًا يعطى مثل ما أعطيتم، لا تصدقوا بإيتاء الله أحدًا مثل ما أوتيتم، إلا لمن تبع دينكم، إلا لمن كان يهوديًّا، فلا تؤمنوا بنبي من العرب، هذه معاني تحتمل - والله أعلم -.