الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا۟ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [سورة آل عمران:75 - 76].
يخبر تعالى عن اليهود بأن فيهم الخونة، ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم، فإن منهم من إن تأمنه بقنطار، أي من المال، يؤده إليك، أي، وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليك، وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا أي: بالمطالبة، والملازمة، والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى أن لا يؤديه إليك، وقد تقدم الكلام على القنطار في أول السورة، وأما الدينار فمعروف.
وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أي: إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين، وهم العرب، فإن الله قد أحلها لنا، قال الله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي: وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوا بهذه الضلالة، فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها، وإنما هم قوم بهت.
روى عبد الرزاق عن صعصعة بن يزيد أن رجلاً سأل ابن عباس، فقال: إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة، والشاة، قال ابن عباس: فتقولون ماذا؟ قال: نقول: ليس علينا بذلك بأس، قال: هذا كما قال أهل الكتاب: ليس علينا في الأميين سبيل، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم".

مرات الإستماع: 0

"وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] الآية قال: إخبارٌ أن أهل الكتاب على قسمين: أمينٍ، وخائن، وذُكر القنطار مثالًا للكثير، وفي بقية النسخ: وذكر القنطار مثالًا للكثير، وفي بعض النسخ: وذِكر القنطار مثالٌ للكثير."

لا بأس على كل حال ذكر القنطار مثالًا للكثير.

"فمن أداه أدى ما دونه، وذكر الدينار مثالًا للقليل، فمن منعه منع ما فوقه بطريق الأولى."

قوله - تبارك، وتعالى -: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] هنا ظاهر كلام المؤلف أن هذا يشمل اليهود، والنصارى أهل الكتاب، وحمله أبو جعفر ابن جرير، الحافظ بن كثير - رحمهم الله - على اليهود أن الحديث عن اليهود، والقرينة في ذلك ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] هذه من مقالة اليهود، كانوا لا يرون غضاضةً، وبأسًا بأخذ أموال الأميين يستحلون ذلك، هذا هو المعروف عن اليهود، هذا اللفظ ظاهره العموم وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] العموم من جهة شموله لليهود، والنصارى، ولكن القرينة في الآية دلت على أنه من العام المراد به الخصوص، وأقصد بالعموم هنا أهل الكتاب، وإلا فإن من تبعيضية.

 قال: وذِكر القنطار، أو وذَكَرَ القنطار، القنطار مضى بأنه المال الكثير، من قوله - تبارك، وتعالى -: وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران:14] المال الكثير دون تحديد يُقال له: قنطار، والدينار للقليل، يعني هذا الذي يؤتمن على القنطار فيؤديه من باب أولى سيؤدي ما دونه، وذاك الذي لا يؤتمن على دينار، ويحتاج صاحب الدينار أن يكون قائمًا على هذا اليهودي حتى يؤدي حقه، من باب أولى أنه لم يؤدّ ما فوق الدينار كالقنطار.

"قوله: قائمًا يحتمل أن يكون من القيام الحقيقي بالجسد، أو من القيام بالأمر، وهو العزيمة عليه."

هذا من جهة أن اللفظ يحتمل الغريم، لماذا قيل له ذلك؟ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65] اعتبار أنه يلازم هذا الذي يطلبه المال ملازمةً تامة إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا أي ملازمةً؛ لأن الغريم يلازم غريه ملازمة حسية، يتبعه أين ذهب، ولا يفارقه حتى يؤدي حقه بهذا الاعتبار، فقال: يحتمل أن يكون من القيام الحقيقي بالجسد، أو من القيام بالأمر، وهو العزيمة إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75] يعني مطالبًا له، وإن لم يكن هناك ملازمة حسية جسدية، لكن لو أنك تركته، وذمته فإنه لا يؤدي، ولا يبالي بحقوق الناس.

"قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ [آل عمران:75] الإشارة إلى خيانتهم، والباء للتعليل."

التعليل يعني بسبب أنهم إنما جرأهم على ذلك، وأوقعهم فيه، هو هذا الاعتقاد الفاسد؛ لأنهم قالوا: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75].

"قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْنَا [آل عمران:75] زعموا بأن أموال الأميين، وهم العرب حلالٌ لهم."

نعم هنا العقائد الفاسدة التي عندهم في كتابهم: التلمود، أنهم يسمو الأمم الأخرى غير اليهود: الجُونِيم، يعني يقولون: هؤلاء أمم خلقها الله لليهود من أجل ركوبهم، يقولون: هم كالحمار، خلقوا لهذا الغرض؛ ليركبهم اليهود، فينبغي أن يكونوا كذلك جونيم.

"قوله: الكذب، هنا قولهم: إن الله أحلها عليهم في التوراة، أو كذبهم على الإطلاق."

وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [آل عمران:75] يعني حينما يقولون: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] أن الحرج مرفوع فهذا استحلال؛ لأن الله أحل لهم أموال الأميين، فلا شك أن هذا افتراء على الله وكذبهم على الله يدخل فيه هذا، ويدخل فيه غيره، كقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] وقولهم أيضًا بأن الله - تبارك، وتعالى - لم يُحرم عليهم شيئا في التوراة كان مباحًا ليعقوب - عليه الصلاة، السلام - كما سيأتي إن شاء الله - وأكذبهم الله بهذا إلى غير ذلك من الأكاذيب على الله وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:111] يعني أن اليهود قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًّا، والنصارى قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيًّا.