من الآيات التي ذكرها بعض أهل العلم عند قوله تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ [سورة آل عمران:97] إضافة إلى مقام إبراهيم ﷺ أنهم قالوا: إذا كان الغيث بناحية الركن اليماني، كانت الخصوبة في اليمن، وإن كان في ناحية الركن الشامي كانت الخصوبة في الشام، وإذا عمَّ البيت فالخصوبة في الجميع، وذكروا أيضاً أشياء أخرى بعضها لا يثبت كقولهم: إن الطيور لا تمر فوق البيت، وهذا غير صحيح.
وقوله تعالى: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [سورة آل عمران:97] يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية.
وهذه الآية: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [سورة آل عمران:97] تحتمل أن تكون على سبيل الخبر، بمعنى أن ذلك يكون من قبيل الأمر الكوني القدري، وهذا فيه بعد، بل هو بعيد غاية البعد؛ لأن الواقع يخالفه، ويحتمل أن يكون ذلك من قبيل الخبر من ناحية الصياغة، يعني الصيغة صيغة خبر لكنه متضمن للإنشاء، يعني متضمن للأمر، أي هو أمر في صيغة الخبر، والمعنى: من دخله فأمِّنوه، وهذا مثل قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ [سورة البقرة:233] أي على الوالدات أن يرضعن أولادهن، وقوله: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [سورة آل عمران:97]، أي من دخل البيت الحرام يجب أن يؤمَّن، والأقرب في معنى الآية أنها بمعنى الإنشاء.
والعلماء تكلموا كثيراً فيمن جنى جناية في الحرم هل يؤخذ أم لا؟ وكذلك فيمن جنى جناية خارج الحرم ثم دخل إلى الحرم، وتكلموا أيضاً عما إذا حصل من طائفة من الناس بغي في الحرم هل تُقاتل، أم لا تقاتل؟ فكلام أهل العلم معروف في هذا، يقول أبو حنيفة: يضيق عليه حتى يخرج، ومنهم من يقول: إنه يؤخذ، ولعل هذا يأتي - إن شاء الله تعالى - عند الكلام على الأشدق لما كان أميراً على المدينة، وكان يجيش الجيوش إلى مكة.
وقد أخذ بعض أهل العلم من حديث: خمس فواسق يقتلن في الحل، والحرم[1]، أن هذه لما كان من عادتها التعدي فإنها تقتل، ولو كان ذلك في الحرم مع أنها مجبولة على ذلك، بمعنى أن هذه طبيعتها، وليس لها عقل، وليس عليها تكليف، فكيف بالإنسان الذي هو مكلف، ومؤاخذ، وعلى كل حال ليس هذا موضع الكلام على مثل هذه القضايا بالتفصيل، لكن قصدنا الإشارة إلى أن المراد بقوله: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [سورة آل عمران:97]، أي هكذا ينبغي أن تكون الحال، ولكن هذا لا يعني أن من جنى جناية لا يؤخذ، بل الأقرب، - والله تعالى أعلم - أنه يؤخذ، ولا يترك.
وقال يوم الفتح - فتح مكة -: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات، والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر فإنه لقينهم، ولبيوتهم، فقال: إلا الإذخر[3]".
القين: يعني الصناع، والمعنى ليتخذ ذلك في الصناعة فالحداد مثلاً يحتاج أن يوقد به من أجل أن يقوم بالحدادة، وصناعة المعادن.
قال: "ولبيوتهم"، أي يستخدم في بناء البيوت، وكذلك القبور، فيوضع فوق الخشب في بناء البيوت - وهذا في البيوت القديمة كما هو معروف -، ثم يوضع فوقه الطين، وذلك لأجل سد الفراغات، كما يوضع أيضاً في القبور؛ لأن رائحته طيبة، ومن أجل سد الفراغات في القبر حيث يوضع الإنسان في اللحد، ثم يوضع اللَّبِن، فمن أجل رص هذا اللَّبِن يستعملون هذا، كما أنه يستخدم في الصناعة إذا يبس، ولذلك أخذ بعض أهل العلم من هذا الحديث أن ذلك في الرطب، واليابس، فقول النبي ﷺ: ولا يختلى خلاها يعني الحشيش مطلقاً، وبعضهم قيَّده بالرطب، وأما اليابس فقد قال النبي ﷺ: لا يعضد شوكه مع أن الإمام الشافعي - رحمه الله - يقول: لا بأس بقطعه لأنه يؤذي، أي مثل ما أباح النبي ﷺ قتل الفواسق لأذيتها، فهذا كذلك، والحديث ظاهر في أنه لا يقطع شوكه.
لكن قوله: ولا يختلى خلاها - على القول بأنه الحشيش الرطب - أخذ منه بعض أهل العلم من جهة مفهوم المخالفة أن اليابس لا بأس به، ومن منع من هذا استدل بهذا الحديث، وهو أنه لقينهم، والذي يوقدون عليه إنما هو اليابس بدون شك، ومن قال بأنه لا بأس باليابس، قال: هذا أصلاً ميت مثل ما لو وجد الصيد ميتاً.
عمرو بن سعيد هذا هو الأشدق الذي ذكرته آنفاً، كان أميراً على المدينة، ويبعث البعوث لقتال عبد الله بن الزبير.
قوله: "بخربة"، بكسر الراء، وبعضهم يضبطها بفتحها، والمراد بها الجناية، وهنا يقصد أن ابن الزبير ألحد في الحرم، أو لاذ بجناية بالحرم، واستعصم بالبيت، فهو رأى أنه يجوز قتاله لهذا المعنى.
وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهرى أنه سمع رسول الله ﷺ يقول، وهو واقف بالحرورة في سوق مكة.."
هذا سوق مكة قديماً، ودخل في الحرم منذ زمن طويل.
وقوله: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [سورة آل عمران:97] هذه آية، وجوب الحج، وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام، ودعائمه، وقواعده".
هذا لاشك فيه، والحافظ ابن القيم - رحمه الله - أخذ من هذه الآية الدلالة على وجوب الحج من نحو عشرة أوجه، والأدلة كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - كثيرة.
وقوله تبارك في الآية الأخرى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196] ربما فهم منها بعضهم أن المأمور به الإتمام، وليس الابتداء، وهذا غير صحيح أصلاً لا في نفس الآية، ولا بالنظر إلى الآيات، والنصوص، والأحاديث الأخرى.
فالآية وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196] يمكن أن يقال: إن الأصل لما كان ثابتاً معلوماً عندهم، وإنما وقع الإخلال من جهة النقص، والتبديل، حيث كان الحمس -، وهم قريش، ومن ولدت - يقفون في طرف الحرم، ولا يخرجون إلى عرفة كان ذلك من قبيل النقص في حجهم، قال الله : وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196] فهم لم يكونوا يجادلون في مشروعية الحج، وفي وجوبه؛ إذ كانوا على بقية من دين إبراهيم ﷺ، ولهذا فإنه لما كان الأصل مقرراً عندهم جاء الأمر بما وقع فيه اللبس، والنقص، وهذه طريقة معروفة يتكلم بها العرب، ويعبرون بمثل هذا فيما يُحتاج إليه، يعني أن البيان إنما يكون فيما يحتاج إليه فحسب، أما أن يتكلم على الأشياء المقررة الواضحة التي لا يجادلون فيها، فهذا تطويل للكلام من غير حاجة.
روى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال: أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله ﷺ: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه [ورواه مسلم نحوه][7]".
قوله ﷺ: قد فرض عليكم الحج أي كتب عليكم، وأُلزمتم به؛ ويدل على ذلك سؤال الرجل، وكذلك قول النبي ﷺ: لو قلت نعم لوجبت، وأذكر هذا المعنى لأمر، وهو أن لفظة الفرض شاع في اصطلاح المتأخرين أنها بمعنى الإيجاب، وعند الحنفية آكد من الواجب، يعني ما ثبت بدليل قطعي، مع أن هذا ليس هو المتبادر، أو الاصطلاح المتعارف عند المخاطبين بالقرآن، فإن لفظة الفرض قد تدل على معانٍ أخرى، فمثلاً: يقول الله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [سورة التحريم:2] فهنا ليس معناها الإيجاب، وإنما معناها الإباحة، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [سورة الأحزاب:50]، فلفظة "فرض" تأتي بمعنى التشريع، والإباحة، والإيجاب، فليس المعنى المتبادر لها في الاصطلاح العرفي عند المتقدمين الذين خوطبوا بالقرآن الإيجاب، ولذلك لا نستعجل كلما رأينا لفضة "فرض" في القرآن فنقول: هو بمعنى الوجوب، فهذا اصطلاح متأخر، ولا يجوز حمل ألفاظ القرآن، ومعانيه على اصطلاح حادث، لكن ينظر إلى السياق، والقرائن، فيحمل في كل موضع على ما يناسبه، ويليق به.
قوله: "وتارة يكون بغيره"، يعني إذا كان الإنسان غنياً لكن لا يستطيع أن يصل إلى البيت بنفسه فإنه ينيب أحداً آخر ليحج عنه.
هذا الحديث الذي يبين أن الزاد، والراحلة هي الاستطاعة، الكلام فيه معروف، وهو أن الحديث فيه ضعف، أو هذه الرواية فيها ضعف، وعلى كل حال فإن الاستطاعة في قوله تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [سورة آل عمران:97] الأقرب - والله أعلم - أنها تحمل على أعم المعاني، ولا يختص ذلك بالمال، أو بالراحلة، وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -، فقد يكون الإنسان من أهل مكة، أو ممن جاورها فلا يحتاج إلى راحلة؛ لأنه ذو قوة، ونشاط، وقدرة يستطيع المشي في المشاعر، فمثل هذا يجب عليه الحج، فالمقصود أن الاستطاعة هنا لم تحد بحد معين، فتحمل على أعم المعاني؛ لأنه قد يكون أيضاً عند الإنسان الراحلة، والزاد، وعنده المال، ولكن الطريق غير مأمون، وتوجد مخاوف لا يستطيع معها الوصول إلى الحج، فهذا غير مستطيع، وقد يكون عنده الزاد، والراحلة، ولكنه ضعيف البدن كأن يكون هرماً، أو مريضاً، فمثل هذا غير مستطيع، وقد يكون صحيحاً قوياً، وعنده الزاد، والراحلة لكن هذا المكلف امرأة ليس لها محرم فإنها على الأرجح يسقط عنها الحج بالنفس، وبالتالي إذا كانت قادرة بمالها فإنه يجب عليها أن تنيب من يحج عنها، وهكذا مسألة الاستطاعة يدخل فيها كل هذه الأمور.
وروى أحمد أيضاً عن ابن عباس - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: من أراد الحج فليتعجل [ورواه أبو داود][10].
وقوله تعالى: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران:97]، قال ابن عباس - ا -، ومجاهد، وغير واحد: أي:، ومن جحد فريضة الحج فقد كفر، والله غني عنه".
هذه الآية لها نظائر في كتاب الله، منها: قوله تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة إبراهيم:8]، وفي سورة الزمر يقول تعالى: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ [سورة الزمر:7]، ويقول تعالى: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ [سورة التغابن:6].
يقول: "وقوله تعالى: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران:97]، قال ابن عباس - ا -، ومجاهد، وغير واحد: أي:، ومن جحد فريضة الحج فقد كفر، والله غني عنه"، خص هنا الكفر بنوعٍ منه، وهو جحد هذا العمل، أو العبادة التي شرعها الله ، وبينها غاية البيان، وألزم المكلفين بها، قال تعالى: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ أي: من جحد فرضه فإن الله غني عنه.
ومثل هذه الآية يستدل بها أيضاً من يقول: إن تارك الحج، وهو قادر يكفر، ومعلوم ما جاء عن عمر : "ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين"، وعلى كل حال فالقول بأن قوله: وَمَن كَفَرَ أي من جحد فرضية الحج فقد كفر هو اختيار كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى -.
على كل حال من أهل العلم من حمل الآية على ظاهرها، ومنهم من قال: إن هذا على سبيل التغليظ لتأكيد الحج، وبيان أهميته، وعظمه، ومكانته.
- أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم (3136) (ج 3 / ص 1204) ومسلم في كتاب الحج - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل، والحرم (1198) (ج 2 / ص 856) ولفظ: في الحل والحرم لمسلم.
- أخرجه البخاري في أبواب الإحصار وجزاء الصيد - باب لا يحل القتال بمكة (1737) (ج 2 / ص 651) ومسلم في كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام (1353) (ج 2 / ص 986).
- أخرجه البخاري في أبواب الإحصار وجزاء الصيد - باب لا يحل القتال بمكة (1737) (ج 2 / ص 651) ومسلم في كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام (1353) (ج 2 / ص 986).
- أخرجه البخاري في كتاب العلم - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب (104) (ج 1 / ص 51) ومسلم في كتاب الحج - باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام (1354) (ج 2 / ص 987).
- أخرجه مسلم في كتاب الحج - باب النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة (1356) (ج 2 / ص 989).
- أخرجه الترمذي في كتاب المناقب - باب في فضل مكة (3925) (ج 5 / ص 722) وابن ماجه في كتاب المناسك - باب فضل مكة (3108) (ج 2 / ص 1037) والنسائي في السنن الكبرى في كتاب الحج – باب فضل مكة (4252) (ج 2 / ص 479) وأحمد (18737) (ج 4 / ص 305) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7089).
- أخرجه مسلم في كتاب الحج – باب فرض الحج مرة في العمر (1337) (ج 2 / ص 975).
- أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ – باب تفسير سورة آل عمران (2998) (ج 5 / ص 225) وابن ماجه في كتاب المناسك - باب ما يوجب الحج (2896) (ج 2 / ص 967) وحسنه الألباني في المشكاة برقم (2527).
- أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ – باب تفسير سورة آل عمران (2998) (ج 5 / ص 225) والحاكم (1613) (ج 1 / ص 609) وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (2998).
- أخرجه أبو داود في كتاب المناسك – باب تعجيل الحج (1734) (ج 2 / ص 75) وابن ماجه في كتاب المناسك - باب الخروج إلى الحج (2883) (ج 2 / ص 962) وأحمد (1834) (ج 1 / ص 214) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (6004).