اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [سورة الروم:48-51].
يبين تعالى كيف يخلق السحاب التي ينزل منها الماء فقال: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا، إما من البحر على ما ذكره غير واحد، أو مما يشاء الله ، فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ أي: يَمُدّه فيكثّرهُ ويُنَمّيه، ويجعل من القليل كثيرا، ينشئ سحابة فتُرى في رأي العين مثل الترس، ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق، وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة ماء، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة الأعراف:57]، وكذلك قال هاهنا: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا، قال مجاهد، وأبو عمرو بن العلاء، ومطر الوَرّاق، وقتادة: يعني قطعا.
وقال غيره: متراكما، قاله الضحاك.
وقال غيره: أسود من كثرة الماء، تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض.
قوله - تبارك وتعالى -: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا هذه فائدة أخرى للرياح غير ما ذكر، فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: فَتُثِيرُ سَحَابًا إما من البحر على ما ذكره غير واحد، أو مما يشاء الله ، هنا أجمَلََ في مصدر الرياح غير البحر إما من البحر فهو للتبخر كما هو معلوم، والمُنكَر في ذلك أن يقال: إنها طبيعة بمعنى أن ذلك ليس من تدبير الله - تبارك وتعالى - فهذا هو الذي شدد فيه أهل العلم وقالوا: إن هذا من الكفران، وإنه من جحود نعمة الله - تبارك وتعالى - وإلا فكان الجاهليون يعرفون أن السحاب يتكون من الأبخرة التي تتبخر من البحار ونحوها؛ ولهذا يقول الهذلي:
| شَربنَ بماءِ البحرِ ثُم ترفّعتْ | متى لُجَجٍ خُضرٍ لهنّ نئيجُ |
يقصد السحاب، والعلماء تكلموا على هذا كثيراً، ومنهم من يقول: إن السحاب لا يكون من تبخر المياه من البحار وإنما يخلقه الله - تبارك وتعالى - وينشئه، وبعضهم يقول: إنه من مصادر أخرى كما يقول بعضهم من الجنة أو نحو ذلك، ومن أهل العلم من يقول: لا مانع أن يكون ذلك بالتبخر، وقد يكون له مصدر آخر، المقصود هنا الإشارة إلى ما أراده ابن كثير - رحمه الله - بقوله: أو مما يشاء الله فأبهمَ في ذلك وأجملَ وهو يشير إلى هذه الأقوال التي يذكرها أهل العلم في مصدر السحاب، لكن ما تجدونه في بعض الكتب وتشديد بعض أهل العلم فيمن يقول: إنه تبخر البحر إنما يقصدون به من قال: إنه طبيعة، من يقول: إنه طبيعة يعني أنه قضية طبيعية لا تتعلق بإرادة الله - تبارك وتعالى - مع أن الله ذكره من آياته.