الإثنين 24 / جمادى الآخرة / 1447 - 15 / ديسمبر 2025
فَٱنظُرْ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ، معنى الكلام: أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قَانطين أزِلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم، جاءهم على فاقة، فوقع منهم موقعا عظيما.

ويكون معنى الكلام: أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، ومن قبله - أيضا - قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت، فترقبوه في إبّانه فتأخر، فمضت مدة فترقبوه فتأخر، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط، فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ولهذا قال: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ  يعني: المطر كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.

ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها، فقال: إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى.

 قوله - تبارك وتعالى -: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ من قبله هذه الثانية مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ابن كثير - رحمه الله - لم يعتبر ذلك من قبيل التوكيد يعني أنها ليست مؤكدة لما قبلها، فهو يقول هنا: معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قانطين أزِلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم، جاءهم على فاقة وقع منهم موقعاً عظيماً، ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، يعني كلام ابن كثير - رحمه الله - هذا مهمٌّ ذكره - وهو محذوف من المختصر - فابن كثير - رحمه الله - يرى أن ذلك يحمل على معنى جديد من باب أولى، التأسيس مقدم على التوكيد؛ لأنه يأتي بمعنى جديد، على هذا فهو يقول: معنى الكلام أنهم محتاجون إليه قبل نزوله، لاحظ هذه الأولى وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ ومن قبله قد فات عندهم نزوله وقتاً بعد وقتاً، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ يعني كانوا محتاجين إليه قبل النزول وهم قبله قد فات وقته ومظنته فأورثهم ذلك حزناً وكآبة وسكوناً، هذا معنى مبلسين، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ لكن أكثر أهل العلم يقولون: إن ذلك للتوكيد، وهو اختيار ابن جرير، وكأن هذا - والله تعالى أعلم - أقرب وأبعد عن التكلف في المعنى في تفسير الآية، فيكون المعنى - والله تعالى أعلم - مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ يعني المطر – الغيث - من قبله يعني من قبل أن ينزل عليهم هذا الغيث، هذه عبارة ابن جرير، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ هذا الغيث وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فيكون توكيداً - والله تعالى أعلم -، وهذا الذي عليه أكثر النحاة، وإلا فالأقوال كثيرة في تفسيره، وبعضهم يقول: من قبل الإنزال، وبعضهم يقول غير ذلك، وبعض هذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وبعضها لا يخلو من تكلف، - والله أعلم -، يقول: كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ولهذا قال: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ، فَانْظُرْ إِلَى أثرِ رَحْمَتِ اللَّهِ هذا على قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي، في الجمع: إلى آثار رحمة الله، وقرأ الباقون بالإفراد: فَانْظُرْ إِلَى أثرِ رَحْمَتِ اللَّهِ وذلك يرجع إلى معنى واحد، أثر رحمة الله، فإن المفرد هنا بمعنى الجمع، وأثر رحمة الله هو المشار إليه بعده بقوله: كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ورحمته هي المطر.