وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ، هذا كقوله: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [سورة الكهف:6]، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [سورة فاطر:8]، وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [سورة الأنعام:35-36]، سماع يعني: إجابة، وَالْمَوْتَى الكفار، يَبْعَثُهُمُ اللّهُ، وقد مضى الكلام على هذا في الأمثال في القرآن، فهذا كله تسلية للنبي ﷺ أن لا تذهب نفسه عليهم حسرات، فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ينهاه عن الحزن على هؤلاء، ومثل هذا نحتاج إليه في عصرنا هذا، فإن الكثيرين لربما يحصل لهم شيء من اليأس، ويتعاظم الحزن في نفوسهم والأسى لما يرى من أمور يكرهها، حينما يرى جرأة على الله ، وعلى دينه، وكذباً على الله، وعلى شرعه، فكثير من أهل الإيمان لربما يحصل له شيء من اليأس والحزن والضيق، ولربما يتوارد ذلك على النفس ويتعاظم حتى يضعف الإنسان وتتلاشى قواه، فلا ينتفع به في شيء من أمر الدنيا أو الآخرة، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: إن الحزن إذا تتابع على القلب أضعفه، فهذا غير مطلوب شرعاً، ولا يحسن، ولا يجمل، فهذا دين الله ، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ، ولما ذكر ما يحصل من وحي الشياطين، شياطين الجن والإنس، قال: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ [سورة الأنعام:112-113]، فهذه أمور الله - تبارك وتعالى - أرادها، وقلوب الخلق بين أصبعين من أصابعه، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى، ولكنه شاء لبعضهم الردى والضلالة فبقوا في ضلالهم يعمهون، - نسأل الله العافية -، فالمؤمن حينما يرى مثل هذه الأشياء هو يفعل ما بجهده، وما في طاقته واستطاعته، والله - تبارك وتعالى - أكملُ بل الله - تبارك وتعالى - أعظم غيرة على دينه وشرعه وحرماته، ولكنه يمهلهم ويملي لهم، قال الله تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [سورة الأعراف:183]، وانظر ما فعله الله - تبارك وتعالى - في كبار العتاة عليه في هذا العصر، ثلاثة أو أربعة من أعتى الخلق على الله، انظر كيف فعل بهم الآن؟، وقد خذلهم من يظنون أنه ناصرهم من دون الله - تبارك وتعالى -، كلمة أوباما التي ألقاها في مجلس هيئة الأمم، ماذا قال؟ ذكر أن هذا العام سيكون جميلاً في غياب فلان وفلان وفلان، هؤلاء الذين كانوا يظنون أنه إن نصرهم فلا غالب لهم، وإن خذلهم فمن ذا الذي ينصرهم من بعده، يدير ظهره لهم ويقول: عام جميل هذا الذي يغيب فيه فلان وفلان وفلان، هذه عبرة عظيمة، فانظر إلى العواقب، ثم انظر إلى حال هؤلاء، لا يرعوون ولا يتوبون مع ما هم فيه من البؤس، فلا يزدادون إلا غيا، - نسأل الله العافية -، فهنا تظهر معاني أسمائه وصفاته - تبارك وتعالى -، هذا دين الله ، هو الذي يدبر أمر الخليقة، فالإنسان يحمد ربه على أنه هداه، ولا يضره ضلال من ضل بعد ذلك، فالله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فنحن الضعفاء المساكين لسنا أغير على دين الله من الله، فالإحباط لا محل له في نفس المؤمن، وهذا الحزن الذي يتعاظم لدى بعض الخيرين لا معنى له، وإنما ينبغي على الإنسان أن ينطلق يبلغ دين الله قدر جهده واستطاعته، والله ناصر دينه وكتابه، ورسوله وعباده المؤمنين، وهذا أمر قد حكم الله به، ولا يستطيع أحد أن يبدله أو يغيره مهما بذل، فالله متم نوره ولو كره من كره من أهل الضلالات كلها، والله المستعان.