الثلاثاء 20 / ذو الحجة / 1446 - 17 / يونيو 2025
وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال: وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ قال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه.

وروي مثله عن أبيّ بن كعب، وأبي العالية، والحسن، وإبراهيم النَّخَعِي، والضحاك، وعلقمة، وعطية، ومجاهد، وقتادة، وعبد الكريم الجَزَري، وخصِيف.

العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، بعضهم يقول: المقصود بالعذاب الأدنى ما ذكر، وهذا الذي عليه عامة المفسرين، وبعضهم فسره بالقتل، ما وقع لهم من القتل يوم بدر، العذاب الأدنى، وبعضهم فسره بعذاب القبر، مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ، وأن العذاب الأكبر هو عذاب يوم القيامة، وبعضهم يقول: المقصود بذلك سنين الجوع التي حصلت لهم بمكة، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ، وابن جرير - رحمه الله - عممه فيما يقع لهم في الدنيا، يعني دون عذاب القبر، ليس عذاب القبر، لماذا، ما القرينة؟ القرينة أن الله قال: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، في عذاب القبر لا يمكن أن يرجعوا ويتوبوا وينيبوا إلى الله ، هذه قرينة، وبعض أهل العلم فسر ذلك بعذاب القبر، الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ، قال: هذه الآية يستدل بها على إثبات عذاب القبر، وأنكره آخرون.

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وقد احتج بهذه الآية جماعة منهم عبد الله بن عباس على عذاب القبر، وفي الاحتجاج بها شيء؛ لأن هذا عذاب في الدنيا يستدعى به رجوعهم عن الكفر، ولم يكن هذا ما يخفي على حبر الأمة وترجمان القرآن، لكن من فقهه في القرآن ودقة فهمه فيه فهم منها عذاب القبر، فإنه سبحانه أخبر أن له فيهم عذابين أدنى وأكبر فأخبر أنه يذيقهم بعض الأدنى ليرجعوا، فدل على أنه بقى لهم من الأدنى بقية يعذبون بها بعد عذاب الدنيا؛ ولهذا قال: مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى ولم يقل: ولنذيقنهم العذاب الأدنى فتأمله"[1].

هذا لا تكاد تجد مثله في كتب التفسير، تجد الرد مباشرة أن هذا غير صحيح، وبعيد، وبعضهم قد يقول: أبعد النجعة من قال: إنه عذاب القبر؛ لأن الله قال: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فلا رجوع في عذاب القبر، فابن عباس هنا يوجه ابن القيم - رحمه الله - كلامه يقول: الله قال: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى، فمِن هذه تبعيضية، فمن العذاب الأدنى ما يقع لهم في الدنيا من الآلام والأحزان والهموم، والمصائب، والحدود كما يقول بعض السلف التي تقام على المنافقين مثلاً، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ، فهناك عذاب أدنى وعذاب أكبر، دلت عليه هذا الآية، العذاب الأدنى ما يقع من هذه الأمور في الدنيا، لكن ليس هذا كل العذاب الأدنى، هذا منه، إذاً منه بقية أخرى وهو ما يقع في القبر، فهذا الذي يقع لهم في الدنيا هو جزء، هو من بعض العذاب الأدنى، إذاً فيه عذاب أدنى وعذاب أكبر، فعذاب القبر من الأدنى، لكنه غير مراد بهذه الآية هنا بقرينة مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى، لكنه أيضاً واقع لهم؛ لأنه قال هنا: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ من العذاب والمصائب إلى آخره، لكنه واقع لهم بالفعل أنهم يعذبون في قبورهم؛ لأنه بقي لهم بقية من العذاب الأدنى، هذه الطريقة تتكرر في كلام ابن القيم - رحمه الله -، وهي من أنفع ما يكون لطالب العلم.

  1.  كتاب الروح، لابن القيم (76).