الثلاثاء 20 / ذو الحجة / 1446 - 17 / يونيو 2025
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ۚ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال: وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا أي: لا أظلم ممن ذَكّره الله بآياته وبينها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها، كأنه لا يعرفها.

قال قتادة، - رحمه الله -: إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن مَنْ أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرَّة، وأعوز أشد العَوَز، وعظم من أعظم الذنوب؛ ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ أي: سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام.

ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ معنى هنا وَمَنْ أَظْلَمُ أن هذا الاستفهام مضمن معنى النفي، أي: لا أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها، وذكرنا هناك أنه يرد على هذا سؤال معروف، وهو أن الله قال في موضع آخر: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [سورة البقرة:114]، وفي موضع آخر قال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا [سورة الأنعام:21]، وما شابه ذلك، السؤال هو: إذا كان المعنى: لا أحد أظلم من هذا، فتارة قال: لا أحد أظلم مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ، وتارة قال: مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا، وتارة قال: مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا، وللجمع بين هذه الآيات للعلماء جوابان:

الجواب الأول: أن أفعل التفضيل، وَمَنْ أَظْلَمُ - لا أحد أظلم - لا تمنع التساوي، وإنما تمنع أن يزيد أحد هؤلاء على الآخر، فحينما تقول مثلاً: فلان أكرم أهل البلد، وفي مناسبة أخرى تذكر شخصاً آخر وتقول: فلان أكرم أهل البلد، لا تعارض بحيث إن أفعل التفضيل "أكرم" لا تمنع التساوي، ولكن تمنع أن يزيد أحدهما على الآخر، فيكون كل واحد بلغ في الكرم غايته مما يصلح لمثله، يعني لكن لا تمنع التساوي، فهؤلاء كلهم قد بلغوا المرتبة العالية في الظلم، سواء كانوا من المانعين لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه، أو ممن ذُكّروا بآياته فأعرضوا عنها، أو ممن افتروا على الله كذباً، كلٌّ بلغ في الظلم غايته ولا إشكال أن يقال عن هذا أو هذا أو هذا.

الجواب الثاني: أن كل واحد منها يختص ببابه، ففي باب المنع لا أظلم مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، وفي المفترين لا أحد أظلم مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا، وفي المعرضين لا أظلم مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا، فيحمل كل واحد على باب يخصه.