الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يَٰٓأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُوا۟ ۚ وَيَسْتَـْٔذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

 
قال: وقوم آخرون قالوا كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ يعني: المدينة، كما جاء في الصحيح: أُرِيتُ في المنام دارَ هجرتكُم، أرض بين حَرّتين فذهب وَهلي أنها هَجَر، فإذا هي يثرب[1]، وفي لفظ: المدينة[2].

هنا في قوله: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ يعني: طائفة من المنافقين، وكثيرون يقولون: إن قائل ذلك هو أوس بن قيظيّ من بني حارثة، وبعضهم يقول: إن القائل هو عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، وجماعة من المنافقين قالوا هذا، يَا أَهْلَ يَثْرِبَ وجاءوا بالاسم الجاهلي، لمّا جد الجد ظهر نفاقهم ونسوا ما هنالك، نسأل الله العافية.

قال: ويقال: إنما كان أصل تسميتها "يثرب" برجل نزلها من العماليق، يقال له: يثرب بن عبيد بن مهلاييل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، قاله السهيلي.

يعني بينه وبين إرم بن سام بن نوح خمسة، عبيد ومهلاييل وعوص وعملاق ولاوذ.

قال: وروي عن بعضهم أنه قال: إن لها في التوراة أحد عشر اسماً: المدينة، وطابة، وطيبة، والمسكينة، والجابرة، والمحبة، والمحبوبة، والقاصمة، والمجبورة، والعذراء، والمرحومة.

هذا ذكره السهيلي وغيره، ولكن هل يقال: إنها تسمى بهذا وليس عندنا ما يثبت ذلك؟، إنما تسمى بالأسماء المعروفة التي سماها بها النبي ﷺ، أو ما جاء في القرآن باعتبار أنه أسماء، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ [سورة الحشر:9] جعله بعضهم من أسماء المدينة، يعني الدار، أما باقي هذه الأسماء كالمسكينة والجابرة والمحبة والمحبوبة، هل نقول: الآن نسمي المدينة بهذه الأسماء؟ الجواب: لا، فهذا من بني إسرائيل التي لا نصدقها ولا نكذبها.

قال: وقوله: لا مُقَامَ لَكُمْ أي: هاهنا، يعنون عند النبي ﷺ في مقام المرابطة.

هذا يثرب، تقرءون في التواريخ مجيئه إلى المدينة، ويذكرون أشياء الله أعلم بها من أنه آمن بالنبي ﷺ لما أخبره أحبار اليهود أن هذا مهاجر الرسول الذي سيبعث، وأنه كتب في ذلك كتاباً، إلى غير ذلك مما يذكرون، وإذا قرأتم في بعض الأماكن المجاورة للمدينة أحياناً تجدون ذلك يرجع إلى هذا الرجل في سبب تسميتها.

قال: فَارْجِعُوا أي: إلى بيوتكم ومنازلكم، وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ قال العوفي، عن ابن عباس: هم بنو حارثة قالوا: بيوتنا نخاف عليها السُّراقَ، وكذا قال غير واحد.

وذكر ابن إسحاق: أن القائل لذلك هو أوس بن قَيظيّ، يعني: اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عَورة، أي: ليس دونها ما يحجبها عن العدو، فهم يخشون عليها منهم، قال الله تعالى: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ أي: ليست كما يزعمون، إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا أي: هَرَبًا من الزحف.

قوله: وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ، بعضهم يقول: إن هؤلاء من بني حارثة من الأنصار، بنو حارثة وبنو سلمة باعتبار أن منازلهم كانت خارج الخندق، يعني لم يكن الخندق يحيط بها، وإنما كانت خارجه، فيقولون: إنها عورة، والعورة هو الشيء الذي يحترز له ويتخوف عليه، أو من ناحيته كالثغور المتاخمة للعدو يقال لها: عورات، فيقولون: إن بيوتنا عرضة للنهب والسُّراق، فنريد أن نحرسها وأن ندافع عنها، وهم يريدون بذلك الفرار، إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ قال: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ، وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ التعبير بالمضارع هنا يدل على التكرار، وأن هذا يتكرر منهم، كأنهم يكثرون منه ويلحون عليه.

وقال: ذكر ابن إسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي، وهذا من بني حارثة، فهم يخشون عليها منهم، يعني من السُّراق، يعني أن بيوتنا سائبة ضائعة ليس هناك ما يدفع عنها أو يحميها أو يحفظها.

  1. رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (7296)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (2749)، وفي ضعيف الجامع، برقم (790).
  2. رواه البخاري، كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي ﷺ وعقده، برقم (2175).